لم ينجح تعيين جمال ولد عباس أخيراً أميناً عاماً ل «جبهة التحرير الوطني»، في استعادة الاستقرار داخل حزب الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة، إذ ظهرت بوادر انفجار في المكتب السياسي ووقوف شخصيات مقربة من الرئيس ضد خطاب الأمين العام الجديد الذي بدا غير ملم بالتجاذبات داخل الحزب. ودعا ولد عباس عشرات من القيادات الغاضبة والمفصولة من هياكل الحزب الذي يتمتع بالغالبية في البرلمان، إلى مناسبة بروتوكولية تجسدت في إطلاق تسمية جديدة لمقر الحزب في العاصمة حيث التقت «الحياة» عدداً من المصنفين ضمن الدائرة «الغاضبة» أبرزهم عبدالعزيز زياري رئيس البرلمان سبقاً، ومحمد الصغير قارة (الوزير السابق) وعبدالكريم عبادة قائد ما كان يعرف بالحركة التصحيحية في الجبهة، وكلهم هؤلاء رفضوا الانخراط في أي عمل «للمصالحة» لكنهم تجاوبوا مع دعوة ولد عباس. غير أن عودة قياديين مستبعدين، باتت تشكل عامل قلق لدى تيارات أخرى في المكتب السياسي، من باب أن هؤلاء القياديين تم إقصاؤهم من اللجنة المركزية منذ عهد الأمين العام السابق عبدالعزيز بلخادم، وتتطلب عودتهم إجراءات نظامية معقدة قد تكلف ولد عباس جهداً ومعارضة من محيطه الداخلي. وسألت «الحياة» ولد عباس إن كان يملك خطة عمل للتمكن من المصالحة التي يدعو لها من دون إغضاب التيارات الأخرى المحيطة به، فأجاب: «من يقف خلف برنامج الرئيس بوتفليقة فهو معنا»، وأضاف: «إنه المؤشر الوحيد» الذي نعتمده كخطة. ولعل انخراط الأمين العام الجديد في منحى سياسي داخل الحزب الأمر الذي لم يكن يتوقعه كثير من أعضاء المكتب السياسي واللجنة المركزية، هو الذي بات يخلق تياراً معارضاً لهذا النهج قد يؤدي بقياديين إلى طرح إشكال الشرعية في منصب الأمين العام كمحاولة ل «الإنقلاب» على ولد عباس. وقال ل «الحياة» قيادي بارز طالباً عدم نشر اسمه، ان تياراً مؤثراً بات يدفع نحو التغيير مجدداً، ويملك هذا التيار خياراً آخر ممثلاً في شخص الطيب لوح وزير العدل الحالي. ويقول مقربون من الأخير، انه كان يمني النفس بخلافة الأمين العام السابق ل «الجبهة» عمار سعداني الذي استقال في 22 تشرين الأول (أكتوبر) الماضي. إلا أن كلام ولد عباس عن المصالحة، يخفي توجها آخر يشكل «دهاء» من جانبه، قياساً الى أن تعيينه هو المقرب من العائلة الرئاسية على رأس «الحزب الحاكم»، كان لدوافع تتصل بقطع تحالفات أبرمها سلفه مع شخصيات في السلطة، لذلك استبق ولد عباس الجميع بطرح موضوع «الولاية الخامسة» للرئيس الحالي من دون أن يبد بوتفليقة رأياً بخصوصها أصلاً أو يعبر عن رغبة صريحة فيها. وأبلغ عضو في مجلس الوزراء «الحياة» أن محيطين بالرئيس يعتقدون أن سعداني أبرم تحالفاً مع رئيس الحكومة عبدالمالك سلال بالتوافق مع قائد الأركان نائب وزير الدفاع الفريق أحمد قايد صالح، ويقضي هذا التحالف برعاية غالبية الجبهة في الحكومة، مع تمكين سلال بالترشح مكان الرئيس في حال رفض بوتفليقة التجديد. وأضاف المصدر ذاته إن سعداني وضع نصب عينيه، رئيس ديوان الرئاسة أحمد أويحيى كخصم محتمل في طريق الرئاسة، ما يفسر ذلك الهجوم المتكرر منه ضد الأخير الذي يقود ثاني قوة سياسية موالية في البلاد، وهي «التجمع الوطني الديموقراطي».