شكّلت استقالة الأمين العام لحزب «جبهة التحرير الوطني» الحاكم عمار سعداني حدثاً فارقاً في الحياة السياسية الجزائرية، بسبب الدور الذي لعبه منذ توليه قيادة الحزب في صيف العام 2013. ويرى قياديون في الحزب أن تصريحات سعداني الأخيرة كانت وراء دفعه إلى الاستقالة، إذ هاجم شخصيات كانت مقربة من الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة وقائد الاستخبارات السابق إضافة إلى هجومه المتكرر ضد فرنسا. ولم يكن أحد من أعضاء اللجنة المركزية للحزب الحاكم الذين حضروا الدورة الثالثة أول من أمس، ينتظر استقالة سعداني الذي افتتح الفترة الصباحية سعيداً بتمكنه من تنظيم الدورة. ولم يصدر عن سعداني في خطاب الافتتاح ما يدل على قرب حصول تغيير على رأس الحزب، حيث خاض في قضايا كثيرة وهاجم كالعادة السلطات الفرنسية والرئيس فرنسوا هولاند. إلا أن الدورة أخذت اتجاهاً آخر في الفترة المستقطعة، إذ مورست على سعداني «ضغوطاً» كبيرة، يُعتقد أنها من جهة مرتبطة بالرئاسة، بينما حاول قياديون حزبيون لساعات في غرفة الفندق التي شغلها الأمين العام لدفعه إلى العدول عن موقفه، بيد أن الأخير أصر على طلب الاستقالة لدواعٍ «صحية». وعيّنت اللجنة المركزية، جمال ولد عباس، أميناً عاماً حتى العام 2020. وولد عباس عضو مجلس الأمة، وزير سابق ومن أقرب الشخصيات إلى عائلة بوتفليقة. وافتتح ولد عباس نشاطه على رأس الحزب الحاكم بإعلان أن الجبهة سترشح بوتفليقة لولاية ثالثة. وحرص سعداني على تأمين مخرج مشرف له، عندما طالب أعضاء اللجنة المركزية الذين يؤيدونه بالصمت. وبعد أن تعالت صيحات المساندة له قال إنه غاب في وقت سابق عن المشهد السياسي لظروف صحية وعليه فإنه يقدم استقالته من المنصب للسبب عينه. وتأتي استقالة سعداني بعد أيام قليلة على تفجيره قنابل إعلامية كانت أعنفها ضد فرنسا التي اتهمها «بصناعة لوبي من الضباط والمثقفين والمناضلين والمجاهدين» سقط بفعل التغييرات التي شهدتها الجزائر. وأكد سعداني كلامه بكون «الرئاسة يقودها مجاهد يساعده (رئيس الحكومة عبدالمالك) سلال، والجيش يترأسه مجاهد يعرف ضباط فرنسا جيداً، وأجهزة الأمن أصبحت في يد وطنيين». ورأى مراقبون إن هذا التغيير قد يعني أن الرئاسة استعادت حزب الغالبية من قيادة الجيش. ويزعم هذا التحليل أن سعداني تولى مهمات الناطق باسم المؤسسة العسكرية، في إشارة إلى علاقته بقائد أركان الجيش الفريق أحمد قايد صالح، وإن صح ذلك، فإن تغييراً كبيراً متوقعاً على رأس قيادة الأركان. وأوضح عضو المكتب السياسي لجبهة التحرير الوطني المكلَف بالإعلام، حسين خلدون إن «الأمين العام الجديد للحزب يتمتع بكل الصلاحيات وليس أميناً عاماً بالإنابة»، مشيراً إلى أن المنصب «ليس في حالة شغور»، وأن ترشح ولد عباس لهذا المنصب «قوبل بتزكية كل أعضاء اللجنة المركزية». وأضاف خلدون أن ولد عباس سيمارس مهماته إلى حين المؤتمر ال11 للحزب وأن عقد دورة استثنائية للجنة المركزية «غير وارد في الوقت الحالي». ويعني كلام خلدون أن تزكية ولد عباس أتت من جهة عليا، لتفادي الذهاب إلى عملية انتخاب أمين عام جديد، ويعكس ذلك رغبةً في التحضير للمواعيد الإنتخابية المقبلة من دون مشكلات جانبية، في مؤشر على احتمال تفرّد فريق الرئاسة بتحضيرات الانتخابات الرئاسية المقبلة.