فيما يواصل رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتانياهو محاولاته كوزير للاتصال أيضاً لفرض هيمنته على الإعلام الرسمي في الدولة العبرية، استأنف قادة «البيت اليهودي» المتطرف ووزراء في «ليكود» الحرب على الجهاز القضائي بهدف قصقصة أجنحة «محكمة العدل العليا» بداعي تدخلها في قرارات السلطتين التشريعية والتنفيذية، فأعلنت وزيرة القضاء من «البيت اليهودي» أييلت شاكيد أنها ستقلص تمثيل الجهاز القضائي في «لجنة انتخاب القضاة» كي لا يبقى اختيار القضاة الجدد بيده، ما حدا برئيسة المحكمة القاضية مريم نؤور إلى إبلاغ الوزيرة في رسالة خاصة وقف المداولات في اللجنة المفترض أن تبت في تعيين أربعة قضاة جدد للمحكمة العليا. وقالت نؤور في رسالتها إن «طرح مشروع القانون لتقييد قوة القضاة في اللجنة، ومن دون التحادث إليّ، يعني في الوقت الراهن والظروف الحالية وضع مسدس على الطاولة». ومنذ عقدين يحاول اليمين الإسرائيلي بمختلف الوسائل الحد من تدخل المحكمة العليا في السلطتين التنفيذية والتشريعية ومنح نفسها حق إلغاء قانون جديد تعتقد أنه «غير دستوري»، رغم غياب دستور للدولة العبرية على خلفية الصراع الدائم بين «الدين والدولة». ونجح اليمين في السنوات الأخيرة في تعيين رئيس للمحكمة العليا من «المحافظين» آملاً في أن يضع الرئيس حداً لما يعرف ب «الثورة القضائية» التي أحدثها رئيس المحكمة السابق المعروف بليبراليته أهارون باراك واستمرت في النهج ذاته الرئيسة التي خلفته دوريت بينيش. لكن نجاح اليمين في تعيين الرئيس السابق آشر غرونيس وبعده الرئيسة الحالية مريم نؤور المحسوبين على «المحافظين» لم يلبِّ كما يبدو طموح المتشددين الذين عاودوا فتح حرب جديدة على المحكمة بداعي ما يسمى «نشاط قضائي زائد عن اللزوم» أو بلغة القضاء «أكتيفيزم activism قضائي». وكانت شاكيد أعلنت مع تسلمها وزارة القضاء العام الماضي أنه «من أجل أن تكون المحكمة العليا محافِظة أكثر، لأن التركيبة الحالية ما زالت ليبرالية أكثر من اللزوم، فإنني أعتزم تغييرها، وهذا ما سيحصل عام 2017». وحاول أقطاب اليمين في السنوات الأخيرة تشريع قوانين بهدف الالتفاف على المحكمة العليا مثل منح الكنيست الحق في إعادة تشريع قانون أبطلته المحكمة، أو سحب صلاحية المحكمة في النظر في أي قضية تتعلق بالاستيطان في الأراضي المحتلة وغيرها من الاقتراحات، لكن هذه الاقتراحات لم تتحول إلى قوانين إزاء معارضة المستشار القضائي للحكومة لها. وتجدد الصراع مع بدء لجنة انتخاب القضاة قبل أيام مداولاتها لتعيين أربعة قضاة جدد للمحكمة العليا. وإذ رأت وزيرة القضاء أن الجهاز القضائي يتمثل مع نقابة المحامين بخمسة أعضاء في اللجنة من مجموع تسعة، ما يعني عملياً أن هذه الغالبية هي التي تقرر هوية القضاة الجدد (إذ إن الانتخاب يتم بغالبية سبعة أعضاء من اللجنة) أعلنت أنها بصدد تشريع قانون لخفض تمثيل القضاة في اللجنة أو أن لا يكون الحسم بيد ممثلي المحكمة العليا في اللجنة. وأثارت نؤور في رسالتها الاحتجاجية للوزيرة حنق الأخيرة ووزراء متشددين آخرين، وأعلنت شاكيد في تحدٍّ علني أن مداولات اللجنة ستتواصل، فيما أعلن زعيم حزبها وزير التعليم نفتالي بينيت أنه حان الأوان لفصل تام بين السلطات الثلاث «إذ أن عشرات السنوات الأخيرة تشهد مزيداً من تدخل الجهاز القضائي في مجال السلطة الحاكمة، مثل إلغاء قانون المتسللين الأجانب إلى إسرائيل، وعليه حان الوقت لأن تقوم الحكومة بالحكم والمشرِّع بالتشريع والقضاة بإصدار الأحكام». كما لاقت شاكيد الدعم من وزير السياحة يريف ليفين (ليكود) الذي أعلن أمس انه «مصدوم من رسالة رئيسة المحكمة التي تحاول فرض الرعب على وزيرة القضاء والحكومة والكنيست من خلال لجوئها إلى سلاح المقاطعة الذي يستخدمه أعداؤنا في الخارج في محاولاتهم المس بدولة إسرائيل ومناعتها». كما أعلن قادة المستوطنين الذين يتهمون على الدوام المحكمة العليا «بمناصرة الفلسطينيين» دعمهم وزيرة القضاء. في المقابل هاجمت وزيرة القضاء سابقاً من تحالف «المعسكر الصهيوني» المعارض تسيبي ليفني محاولات شاكيد «الهدامة» وقالت إنها تستدعي اتخاذ خطوات استثنائية لفرملتها «لأن الحفاظ على المحكمة ليس مصلحة قضاتها إنما أساساً مصلحة الجمهور». كذلك ندد «المعهد الإسرائيلي للديموقراطية» بمحاولات وزيرة القضاء «تغيير وضع قائم لأهداف سياسية».