فجّرت حادثة «طحن» شاحنة للنفايات بائع سمك مغربي شاب، احتجاجات عارمة في منطقة الريف الأمازيغية شمالي المغرب، بخاصة في مدينة الحسيمة حيث وقع الحادث ليل الجمعة الماضي. وانتقلت حالة الغضب إلى مختلف مدن المغرب بعد تداول مقاطع فيديو تظهر الوفاة المروعة لبائع السمك الذي سحقته آلة الشفط الضاغطة بعدما ألقى بنفسه في الشاحنة لإنقاذ أسماكه التي كانت السلطات تحاول إتلافها بعد مصادرتها. وانتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي أمس، دعوات للتظاهر في أبرز المدن المغربية من الحسيمة إلى طنجة ومراكش وأكادير ووجدة والرباط للمطالبة بمعاقبة المسؤولين عن وفاة الشاب الذي يُدعى محسن فكري(31 سنة). ولم توقف بيانات وزارة الداخلية والمدعي العام التي أمرت بفتح تحقيق للكشف عن ملابسات الحادث، الغضب الشعبي. ودخلت جماعة «العدل والإحسان» الإسلامية المحظورة على خط موجة الاحتقان، معلنةً المشاركة في «كل الاحتجاجات الشعبية السلمية والجادة للمطالبة بحق الشعب المغربي في العيش الكريم». وحمّل بيان نشرته الجماعة على موقعها الرسمي السلطات كامل المسؤولية، وطالب بتشكيل لجنة تضم سياسيين ونشطاء في مجال حقوق الإنسان والمجتمع المدني «من أجل الدفاع عن حقوق الشهيد ومحاسبة المتورطين في هذه الجريمة النكراء». وانضم حزب «الأصالة والمعاصرة» المعارض إلى صفوف المحتجين، معلناً دعمه «كل الأشكال النضالية المشروعة لرفع الظلم والحيف والدفاع عن كرامة المواطن وحقه في العيش الكريم والحياة»، ومطالباً ب «معاقبة المسؤولين عن الحادث مهما كانت رتبهم». ودعا الحكومة إلى تحمل مسؤولياتها في هذه «الفاجعة المؤلمة ووقائع أخرى مماثلة من خلال طريقة تعاطيها وتعاملها التي تضرب في الصميم أبسط حقوق المواطن في الكرامة والعيش الكريم والحق في الحياة». في غضون ذلك، انقسم حزب «العدالة والتنمية» الإسلامي الحاكم بشأن الموقف من الوفاة الدرامية لبائع السمك المغربي، إذ دعا رئيس الوزراء المكلف عبد الإله بن كيران منتسبي حزبه إلى عدم الاستجابة لدعوات التظاهر، معبراً عن أسفه الشديد لهذا الحادث «المأساوي». في المقابل، طلب قيادي في «العدالة والتنمية» من وزيري الداخلية محمد حصاد والعدل والحريات مصطفى الرميد «فتح تحقيق جدي في حيثيات وملابسات الوفاة المأسوية ومحاسبة المتسببين فيها بشكل مباشر أو غير مباشر حتى يأخذ القانون مجراه، ويلاحَق كل مقصّر في أداء مهامه وكل متجاوز لحدود اختصاصاته، تفعيلاً للمبدأ الدستوري الذي يربط المسؤولية بالمحاسبة». وشدد المستشار عن الحزب الحاكم نبيل الأندلوسي، في الغرفة الثانية للبرلمان على «التدخل العاجل لرد الحقوق إلى أهلها، وفتح تحقيق بمخرجات جدية، تحمّل كل مَن قصّر في واجبه المهني أو تعسّف في استعمال السلطة أو تجاوز حدود اختصاصاته المسؤولية». وتساءل البرلماني الإسلامي عن «الجهة التي أمرت بتشغيل الآلة التي دعست بائع السمك والأطراف المتورطة في هذا الفعل الذي كان سبباً مباشراً في وفاة الضحية». وانتشر هاشتاغ على مواقع التواصل الاجتماعي يحمل عنوان #طحن_مو وتعني «اقتل أمه» للدلالة على ما يصفه المغاربة ب «الحكرة» أي هدر بعض رجال السلطة كرامة الباعة من الفقراء ومتوسطي الحال.وتناقلت الصحافة المحلية تصريحات لشهود أفادوا بأن شرطياً أمر سائق شاحنة النفايات بتشغيل آلة الشفط بعدما ألقى الشاب بنفسه وسطها لاستعادة أسماكه. بيد أن مديرية الأمن نفت بشدة أن يكون أي من أفرادها متورط في الحادث أو أعطى أوامر من هذا القبيل، معتبرةً أن الأنباء الرائجة عن طلب رجل أمن رشوة من البائع رفضها قبل إتلاف بضاعته «لا أساس لها من الصحة». إلى ذلك، عبّر قيادي في حزب الاستقلال محمد الزهاري عن أسفه لانخراط بن كيران في «مؤامرة الصمت وممارسته الستالينية». واستنكر الزهاري محاولة رئيس الوزراء المكلف الوقوف ضد مساهمة أعضاء «الاستقلال» «في المطالبة بكشف الحقيقة ومعاقبة المسؤولين عن طحن مواطن مغربي مقهور».