يبدو أن قصة الشاب التونسي البوعزيزي، تأبى إلا أن تتكرر لتشهد مدينة القنيطرة المغربية هذه المرة، حادثة مشابهة. فقد أضرمت بائعة حلوى النار في جسدها أمام مركز إداري، احتجاجاً على حجز بضاعتها ورفض مسؤول السلطة في المنطقة إعادتها إليها، بعد الاعتداء عليها ومنعها من عرض منتوجها للبيع في إحدى الأسواق الشعبية، لتفارق الحياة متأثرة بجروحها في مستشفى ابن رشد في الدار البيضاء. وعلى الفور، أطلق شباب مغاربة حملة تضامنية واستنكارية عبر مواقع التواصل الاجتماعي، بعد الحادث المأسوي الذي أودى بحياة السيدة فتيحة، بائعة الحلوى. واتخذت الحملة شعار «كلنا مي فتيحة»، وتحولت التغريدات المندّدة الى وقفات احتجاجية شارك فيها مئات المغاربة في مكان الحادث، الذي يبعد من العاصمة الرباط بضعة كيلومترات. علماً أن الضحية كانت شاركت قبل شهر، في المسيرة المليونية التي نظمت في المكان نفسه ضد تصريحات الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، في شأن ملف الصحراء الغربية. واحتجاجاً على «الحكرة»، وهي كلمة مغربية تعني الظلم والاحتقار، والطيش في استعمال السلطة، أضرمت فتيحة النار في جسدها. فهي أرملة مكدّة تبحث عن لقمة العيش في زمن صعب. وذهب الشباب الى إيصال مجريات الحادث إلى المسؤولين في شكل مباشر، عبر أسئلتهم واستفساراتهم، ومطالبة الجهات المعنية بفتح تحقيق جدي في ما جرى والبحث في ملابسات القضية. وطالبت مجموعة من التنظيمات النسائية والحقوقية السلطات بوضع حدّ لاضطهاد السلطات الإدارية المواطنين، والتقيّد بأحكام القانون ومحاسبة المسؤولين عن هذه الانتهاكات التي تدفع بالبعض إلى وضع حدّ لحياته احتجاجاً على ما يلحق به من إهانة وتعسّف. ونصّبت الجمعيات النسائية والحقوقية نفسها كطرف مدني في القضية المعروضة على القضاء، بعدما أمر وزير العدل والحريات مصطفى الرميد، النيابة العامة المختصة بفتح تحقيق في القضية يشمل جميع الأفراد الذين وردت اتهامات ضدهم في الفيديوات المنشورة على الإنترنت. وكان قد انتشر فيديو على موقع «يوتيوب»، صُوّر من داخل المقاطعة التي نفذت فيها الضحية عملية إضرام النار في جسدها من دون تقديم مساعدة لها لإنقاذها. وفي ظلّ هذا الحراك بالشارع، قررت إدارة «يوتيوب» و «فايسبوك» حذف فيديو «مي فتيحة» بطلب من بعض الجهات، نظراً إلى تضمّنه مشاهد مؤلمة. وفي مشهد درامي للغاية، وأمام مأساة إنسانية وتداعياتها الخطيرة المتّصلة بانتهاك حقوق أساسية لامرأة في وضعية هشة، رأت التنظيمات النسائية أن ما تعرضت له هذه السيدة من اعتداء بقوة وعنف على أيدي رجال السلطة، وإحساسها بالحكرة، قد يكونان دافعين مباشرين لإقدامها على حرق نفسها. واعتبرت الجمعيات ذلك عنفاً مؤسساتياً مبنياً على النوع، وتساءلت عما إذا كانت السلطات قد تأخرت في التدخل لمنعها من القيام بذلك. وطالبت الجمعيات بإجراء تحقيق عاجل وسريع ونزيه حول هذه الواقعة الخطيرة، وبملاحقة المسؤولين عن هذه الأفعال وإعمال الحق والقانون، والوقوف بجانب أسرة الضحية وحمايتها من تداعيات ما قد تتعرّض له من ضغوط نتيجة ما حصل، داعية الحكومة الى إعداد قانون شامل كفيل بالقضاء على كل أشكال العنف ضد النساء. وتدقّ حالة السيدة فتيحة الى جانب حالات أخرى مماثلة ناقوس الخطر، وتؤجج الشارع في ظل اقتراب نهاية ولاية الحكومة. فهذه السنة وحدها، شهد المغرب ست حالات إضرام نار عرفت إعلامياً، فقد أقدم شاب من مدينة فاس يبيع الفراولة على عربة، على إضرام النار في جسده، احتجاجاً على إهانة من مسؤولي السلطة المحلية. وفي بداية نيسان (أبريل) الجاري، تداولت وسائل إعلام خبر إضرام تلميذ النار في جسده، بعدما قررت إدارة مدرسته فصله عن الدراسة في قسم البكالوريا. وفي منتصف آذار (مارس) الماضي، أقدم مواطن في الدار البيضاء على إضرام النار في جسده داخل مركز إداري، وفارق الحياة متأثراً بحروقه، احتجاجاً على رفض السلطات منحه شهادة سكن، وغير ذلك من الحوادث التي لم تصل الى الإعلام والرأي العام، لكنها مسجّلة في دوائر الشرطة.