جرت العادة على اعتبار المراهقة مرحلة من العمر يسودها البحث عن المتعة، ويتولى الراشدون، من وجه آخر ومقابل، إعادة المراهقين الى رشدهم، وإلى الواقع. وعلى خلاف الصورة هذه، يظهر استطلاع أخير قام به معهد «ايبسوس» ان مراهقي اليوم يحلمون أحلاماً عاقلة، قد يصح وصفها بحزينة. والوجه الحسن من الأمر هو ان احلامهم العاقلة لا تقودهم الى الإحباط. فهم يحتسبون حظوظ نجاحهم من غير مبالغة. وهذا يقربهم من الرشد، على خلاف موقف نظرائهم السابقين. وبعض تعليل الحال هذه، ان الظرف الحاضر لا يستسيغ الخفة، ولا يحض عليها. وسعي المراهقين اليوم في الاستقرار الاجتماعي يحفه مجتمع ما بعد 68 (19)، ونازعه الحاد الى الفردية. وتذهب خطابة ومقالات النازع الفردي الى ان اختيارات الأفراد كلها جائزة وفردية على حد سواء. وعلى هذا، فالفرد مسؤول كذلك عن إخفاقه او فشله. والمسؤولية ينجم عنها القلق. وهي مدعاة التماس علامات عينية وثابتة يستدل بها، ويتكأ عليها، شأن الأسرة. ومن مفارقات الاستطلاع ان النقمة على الأسرة، والثورة عليها، خفيتان، على رغم ان المراهقة مطبوعة بطابع المنازعة، وبالتشكيك في المثالات العائلية. وهؤلاء المراهقون يجمعون بين الانسلاخ من المقالات العائلية، والتخلي عنها، وبين التمثيل بها على النجاح المنشود والمرغوب. فالوالدان لا يزالان قطبي تماه وتمثل. والأسرة تبدو غاية في نفسها ولنفسها، وليست وراءها غاية نتخطاها. وتبدو علاقات الصداقة معيار نجاح. وجرى المراهقون دائماً على إعلاء شأن الصداقة والصحبة. ولكن الصدقية في الاستطلاع معيار نجاح. ويترتب هذا على القلق الذي يبعثه العمل المهني، ودائرته وإشكاله واضطرابه. فالمراهقون يحملون العمل المهني على الهشاشة والاضطراب. وتصرفهم هشاشته عن إناطة الهوية والسعادة به. وينقلون مناط الهوية والسعادة من الدائرة المهنية الى الدائرة الخاصة، ويقيّمون المعايير في ضوء النقل من ركن او مناط الى ركن آخر. ولا يقتصر الأمر على المراهقين. ففي مجتمع اليوم، العلاقة الغرامية أمارة على النجاح الاجتماعي، وتقاس سعادة الراشدين بدوام ارتباطهم «الزوجي» أو حياتهم المشتركة. وغلبة الأفق الأسري والمستقر على خطط المراهقين لا تبعث الى الرغبة في المغامرة وطرق المجهول وغير المتوقع. فهم يرون أنفسهم زوجين، بعيداً من الاختبارات الجنسية وحريتها. فهذه لم تعد معياراً. وانتقل حقل المغامرة والتجريب الى الشراب والمخدرات. ويلاحظ ضعف اشتهاء المراهقين المال. وعلى خلاف «ستار أكاديمي» أو الانبهار بالسلع الفاقعة، يميل المراهقون الى الإمساك. وقد يكون هذا رداً على رأي الجيل السابق وميوله. والتوظيف في الحياة الشخصية ليس ضمان استقرار، فالحياة الشخصية مادتها الانفعالات. * محللة نفسية ومعالجة عائلية في مستشفى لا سالبيتريير الجامعي، عن «ليبراسيون» الفرنسية، 14/5/2009، إعداد و.ش