مكتبة جامع القرويين أو خزانة القرويين بمدينة فاس في المغرب، والتي يُعتقد على نطاق واسع أنها أقدم مكتبة في العالم، تخضع حالياً لعمليات ترميم من أجل الحفاظ للأجيال القادمة على كنوزها القديمة من كتب ومخطوطات ووثائق تاريخية لا تُقدر بثمن. وتضم المكتبة، التي أنشأتها امرأة في مدينة فاس التي كانت عاصمة للمغرب فيما مضى، بعضاً من أندر وأكثر المخطوطات تميزاً في العالم. وفيما مضى كانت أثمن الكتب في المجموعة التي تضمها المكتبة توضع وراء باب حديدي له أربعة أقفال بأربعة مفاتيح منفصلة تُحفظ مع أربعة أشخاص يتعين حضورهم معاً لكي يُفتح الباب. أما اليوم فإن أمين المكتبة هو الشخص الوحيد الذي يُسمح له بدخول القاعة التي تضم أندر المخطوطات التي تُحفظ تحت رقابة الكترونية مصورة بكاميرات على مدار الساعة. وقال محافظ خزانة (أمين مكتبة) القرويين، عبد الفتاح بوغشوف: "يأتي هذا الاهتمام أيضاً بالنظر إلى قيمة هذه المعلمة في العالم التي تحتفظ على تراث إنساني يهم الإنسانية جمعاء. وهو تراث نادر وقد لا نجد له مثيلاً في مكتبات أخرى. إذن من هذا الإطار ومن خلال النقاط التي أشرنا إليها جاء هذا الترميم وهذا الاهتمام بهذه المكتبة." وتضم المكتبة بعضاً من روائع كتب الأدب الإسلامي. ومن بين الكتب التي تحويها المكتبة كتاب مقدمة ابن خلدون الذي يرجع للعام ال14 الميلادي. وقال نائب محافظ الخزانة (نائب أمين المكتبة)، أبو بكر جعوان: "حينما تقرأ كتابا فإنك تسافر في الزمن. حينما تشاهد مخطوطاً له تقريباً 10 قرون أو أكثر فإنك تسافر في الزمان. فكما قلت فالمكتبة تجعلك ترتبط بها ارتباطاً روحياً. لهذه الاعتبارات واعتبارات أخرى. فأنا منذ وطأت قدماي مكتبة القرويين ما فكرت يوماً في مغادرتها." وقال باحث سعودي يحضر للحصول على درجة الدكتوراه في القانون ويدعى فهد بن عبد الكريم: "أول الأسباب التي دعتني لحضور جامعة القرويين، سمعتها. إنها تزخر بكتب علمية في جميع المجالات. أياً كان المجال، يستطيع الباحث أن يلقى صيده في هذه الجامعة العريقة الكبيرة التي تعتبر أول جامعة تُقام وتُبنى على المستوى العربي." وتشمل عمليات الترميم إنشاء مختبر متطور من أجل معالجة وترقيم النصوص والمخطوطات القديمة والحفاظ عليها. كما تشمل إخضاع الكتب لماسحات ضوئية إلكترونية لتحديد الفتحات الصغيرة في صفحاتها القديمة ولآلة مواد حافظة تعالج المخطوطات بسوائل خاصة لترطيبها ومنع أوراقها القديمة من التفتت. وتجري عملية تحويل النصوص لنصوص إلكترونية بهدف إتاحتها لمزيد من الباحثين والطلاب. وعملية تحويل كتب ومخطوطات ووثائق المكتبة القديمة إلى نصوص إلكترونية عملية معقدة وطويلة، إذ لم يتم حتى الآن الانتهاء سوى من 20 في المئة فقط من محتوياتها. وقال الخبير في مجلس الأبحاث الوطني في بيزا بإيطاليا، فيتو بريلي: "أتيت إلى فاس لأسباب تتعلق بالتعاون العلمي مع بعض الجامعات في هذه المدينة. الفكرة الرئيسة هي تحسين الحفاظ على هذا التراث العالمي الهائل..هذا التراث الثقافي بنهج مقاربة علمية. الهدف هو إيجاد وسائل وآليات لترقيم (تحويله إلى تراث الكتروني) هذا التراث الثقافي ليصبح في متناول العالم كله." وتأتي عملية ترميم وتطوير مكتبة القرويين في إطار مشروع أكبر لتطوير الأحياء القديمة في مدينة فاس. وتضم المدينة القديمة، المسجلة ضمن قائمة منظمة التربية والعالم والثقافة "(يونسكو) لمواقع التراث الإنساني العالمي، شبكة ممرات واسعة مخصصة للمشاة فقط ولا يسمح للسيارات بدخولها. وتضم أيضاً عدداً ملحوظاً من المباني التاريخية ويقطنها ما يزيد على 350 ألف نسمة كثير منهم من الحرفيين والمهنيين المهرة. وعلى رغم نزوح كثير من المفكرين في فاس إلى العاصمة الرباط أو للخارج، إلا أن المكتبة تعد شاهداً حياً على ماضي المدينة المجيد وأملاً في مستقبل مشرق لها. ومن المتوقع أن تكتمل أعمال ترميم المكتبة أوائل العام 2017 وعندها ستُفتح أمام الجمهور.