قد يكون الوفاء عملة نادرة في عالم السياسة التي تغلب عليها المصالح، ولعلّ العلاقة بين رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان والرئيس عبدالله غل، تمرّ الآن بأصعب اختبار في هذا الإطار، بعد رحلة عمر جمعتهما، خسر كلّ من راهن خلالها على أن تفسد السياسة الود بينهما، على رغم خلافات طبعت ميول كلّ منهما إزاء مسائل مهمة. لكن الرهان تجدّد الآن، وبقوة أكبر، ذلك أن تأخّر أردوغان في حسم سيناريو المشهد السياسي بعد ترشحه لرئاسة الجمهورية، يعمّق شكوكاً في أن رئيس الوزراء قد يكون حسم أمره في التخلي عن رفيق دربه، وقرّر المضي قدماً مع فريقه الخاص وشغل كرسي الرئاسة من دون التخلي عن الهيمنة على حزب العدالة والتنمية الحاكم والحكومة. وفي وقت بات شبه أكيد ترشح أردوغان بعد فوزه في الانتخابات البلدية أخيراً، تشير تصرفات غل وتصريحاته إلى أنه وضع كل الأوراق في يد رفيق دربه، بعدما جزم بأنه لن ينازع أردوغان على المنصب. وترك غل باب العودة إلى زعامة الحزب الحاكم موارباً، لكنه لم يجهر بطلب العودة، في انتظار أن يعرضها عليه أردوغان، وهذا أمر بدأت تشكّك فيه أوساط قريبة من الرجلين، تستشهد باجتماعين منفردين عقدهما أردوغان وغل الأسبوع الماضي لم يسفرا عن نتيجة. في المقابل، تجتهد المعارضة في البحث عن مرشح يستطيع أن يجمع حوله اليمين واليسار وينال ثقة الشارع، وفي مقدم هؤلاء رئيس المحكمة الدستورية هاشم كيليج، الذي يبدو الأوفر حظاً، بعد مواقف حازمة اتخذتها المحكمة من قوانين مرّرها أردوغان في البرلمان واعترضت عليها المعارضة والمحكمة، بسبب مخالفتها معايير حقوق الإنسان وحرية التعبير. كيليج يميني محافظ متدين، كانت له مواقف أنقذت حزب العدالة والتنمية سابقاً من خطط عسكريين انقلابيين أرادوا حظر الحزب الحاكم لاتهامه بالسعي إلى «هدم» النظام العلماني. وكان كيليج يُعدّ رجل الحزب في المحكمة الدستورية، وحاز دعم غل لرئاستها. لكن كيليج لم يسلم من انتقادات أردوغان ورجاله بسبب مواقفه أخيراً، وبينها أمر المحكمة برفع الحظر على موقع «تويتر»، وانتزاعها من وزير العدل بكير بوزداغ صلاحيات نالها بموجب قانون أقرّه البرلمان أخيراً، يعزّز سيطرة الحكومة على القضاء. واعتبر بشير أتالاي، نائب رئيس الوزراء، أن تركيا «لا يمكنها أن تقبل بقاضٍ أو جنرال مرشحاً للرئاسة، إذ عانت كفاية من هيمنة الجنرالات والقضاة». ورأى أن المحكمة الدستورية «تتصرّف كلاعب سياسي». وشنّ الحزب الحاكم حملة شديدة على كيليج والمحكمة الدستورية، إذ اتهمهما بممارسة السياسة، وقال أردوغان في إشارة إلى الجانبين: «على الجميع أن يدرك حدود سلطته، وعلى مَن يريد أن يدخل مضمار السياسة، أن يخلع رداء القضاء». وكرر أكثر من مرة أنه لا يحترم قرارات المحكمة الدستورية، ولو كان ملزماً بتنفيذها. وذهب نائب عن الحزب الحاكم إلى حد الدعوة إلى تقليص صلاحيات المحكمة، لجهة إلغاء قوانين أقرّها البرلمان. وردّ كيليج على الانتقادات قائلاً: «نقوم بواجبنا في إطار الدستور»، ونأى عن الحديث عن ترشّحه للرئاسة، معتبراً الأمر «تقويمات» من دون علمه.