يعد كتاب «ذيل خطط المقريزي» للأديب عبد الحميد بك نافع، (تحقيق دكتور خالد عزب ومحمد السيد حمدي)، والصادر عن «الدار العربية للكتاب»، إضافة جديدة لسلسة كتب الخطط المصرية التي تتناول تخطيط مدينة القاهرة وتطورها عبر عصور مختلفة أو خلال فترة زمنية محددة. وقسم المؤلف كتابه إلى فصول عدة، يدور الفصل الأول حول القاهرة وأجناس أهاليها ودياناتهم، ويدور الفصل الثاني حول ما في القاهرة من الشوارع والدروب والحارات والعطف، ويدور الفصل الثالث حول ما في القاهرة المعزية من الجوامع والمساجد والزوايا والتكايا والمشاهد والأضرحة والأسبلة والمكاتب، ويدور الفصل الرابع حول ذكر مدارس واسبتاليات وفابريقات القاهرة وإقليمها، ويدور الفصل الخامس حول ذكر الفابريقات المعبر عنها بالورش، ويدور الفصل السادس حول ذكر دور القاهرة العظيمة المسماة بالسرايات والقصور والكوشك وما بالضواحي من ذلك، ويدور الفصل السابع حول ذكر متنزهات القاهرة المسماة بالجناين والبِرَك والغِيطان. ولعل مؤرخي الخطط لم يأتوا تقريباً بجديد بعد المقريزي، فعلى سبيل المثال جاء كتاب ابن أبي سرور البكري والمعروف ب «قطف الأزهار في الخطط والآثار» ملخصاً لخطط المقريزي مع إضافات يسيرة جدّت بعد المقريزي. ومن هنا تبرز أهمية كتاب «ذيل المقريزي» لعبد الحميد بك نافع، فهو يستكمل ما جاء به كل من المقريزي وابن أبي سرور البكري، وما أورده جومار في كتابه «وصف مدينة القاهرة وقلعة الجبل» والذي نقله عن الفرنسية وقدم له وعلق عليه د.أيمن فؤاد سيد، وقبل أن يضع علي باشا مبارك خططه، لذا فقد جاءت كتابات المؤلف مركزة على فترة النصف الأول من القرن الثالث عشر الهجري/التاسع عشر الميلادي، أو ما يصطلح على تسميتها ب «عصر النهضة في مصر» تلك النهضة التي قادها محمد علي باشا وبلغت ذروتها في عهد الخديوي إسماعيل، وكان لها اكبر الأثر في نقل مصر من دولة تتخبط في ظلمات الحكم العثماني بما فرضه عليها من انغلاق وتخلف إلى دولة تتطلع بفخر إلى الرقي والتحضر والأخذ بأسباب التقدم الحديث. وهي النهضة التي انعكس أثرها على مدينة القاهرة فتطورت خططها وأحياؤها، وازدانت شوارعها بالعمائر الفخمة من مدارس واسبتاليات وورش وفابريقات وسرايات وحدائق، أفاض المؤلف في وصفها وذكر مآثرها. كما أن القسم الأول من الكتاب يقدم إضافة جديدة في ذكر ما احتوت عليه خزائن الكتب بالمساجد من الكتب والمجلدات. كما احتوى الكتاب على إشارة واضحة إلى قيام محمد علي باشا بإنشاء كتبخانة بحي الحسين (قبل كتبخانة علي باشا مبارك). ولعل ما أورده المؤلف من إضافات تقودنا حتماً إلى إعادة تأريخ بعض المنشآت، على نحو قصر عابدين والذي كان الرأي السائد حوله أن بناءه بدأ بعد تولي الخديوي إسماعيل حكم مصر، لكن ما كشف عنه هذا الكتاب يشير إلى أن بناءه بدأ في عهد سعيد باشا، ومع وفاة أحمد باشا رفعت وريث العرش، وصعود إسماعيل عوضاً عنه، تغيرت خطط إسماعيل ونظرته إلى هذا القصر، والذي أعاد هدمه وبناءه مع توليه حكم مصر. وقد اعتمد مؤلف الكتاب في شكل واضح على كتابات المؤرخ الكبير تقي الدين احمد بن علي المقريزي وبخاصة كتَاب «المواعظ والاعتبار في ذكر الخطط والآثار» المعروف ب «الخطط المقريزية» وذلك عند الحديث عن آثار الأقدمين، والشيخ حَسَن ابن حُسين المعروف بابن الطُولُوني الحَنَفي صاحب كتاب النزهة السنية في أخبار الخلفا والملوك المصرية، ومؤلفات الإمام عبد الرحمن السيوطي ومنها كتابه المعروف ب «كوكب الرَّوْضَة في تاريخ النيل وجزيرة الرَّوْضَة»، ومؤلفات الإمام عبد الوهاب الشعراني، وكتاب «قطف الأزهار من الخطط والآثار» لابن أبي سرور البكري، وأحد مؤلفات المؤرخ أبي عمر الكندي عند الإشارة لمقياس النيل، كما اعتمد المؤلف على بعض الروايات السمعية من بعض من لهم دراية بعلم التاريخ وبخاصة عند نسبته القصر العيني إلى المؤرخ بدر الدين العيني، يضاف إلى ذلك ما أورده الكاتب من أشعار لشعراء مثل ابن الصايغ وابن خطير والقاضي عبد الخالق ابن عون الأخميمي وجمال الدين علي ابن ظافر الحداد والشيخ حَسَن العطار والشيخ رفاعة الطهطاوي والسيد احمد البقلي، ما يدل على سعة علم المؤلف وحبه للشعر وتنظيمه إياه، فقد وردت في الكتاب بعض الأبيات الشعرية المنسوبة للمؤلف. وقام المحققون بالتحقيق في ما ورد في الكتاب من معلومات، وبخاصة أسماء الشخصيات وأسماء الشوارع والمنشآت القائمة أو ما اندثر منها وما ورد من معلومات اكدتها الأبحاث العلمية الحديثة وأوردها المؤلف. وختاماً، فإن العديد من المعلومات التي وردت بالكتاب إنما هي رصد لما حدث لمدينة المعز من تغيرات في الفترة التالية لقدوم الحملة الفرنسية، والسابقة لوضع علي باشا لخططه المسماة « الخطط التوفيقية». * كاتب مصري