ليس لدى حنين الزعبي، النائب العربية الوحيدة في الكنيست الإسرائيلية (البرلمان)، ما يوحي بأنها شخصية «عنيفة» و«خطيرة» كما وصفها نظراؤها من النواب الإسرائيليين بسبب مشاركتها في «اسطول الحرية» الذي كان يقل مساعدات انسانية في طريقها لكسر الحصار عن قطاع غزة، قبل ان تقتحم البحرية الإسرائيلية احدى سفنه، وتقتل 9 اتراك. وليس لدى هذه المرأة المتوسطة القامة والمتناسقة الملامح ما يحمل على القول انها «ارهابية» ويمكن أن تعرض للخطر افراد الجيش الإسرائيلي، كما اتهمها الكنيست الذي الغى جواز سفرها الديبلوماسي، وجردها من عدد من حقوقها البرلمانية. على العكس، فإن الانطباع الأول الذي يتولد لدى مقابلة الزعبي هو انها بالغة الدقة والهدوء والرصانة، الى أن يبدأ الحديث معها فتتحول الى قوة متدفقة وكتلة من الحزم والثبات في الدفاع عن قناعاتها والتزامها في حزب «التجمع الوطني الديموقراطي» الذي تمثله، مع نائبين آخرين، في الكنيست. وتَعتبر الزعبي التي التقتها «الحياة» لدى وصولها الى باريس امس، ان لحملة التشهير والإهانات التي تعرضت لها والإجراءات التي اتخذت بحقها، وكذلك التهديد المسلط عليها بتجريدها من الجنسية الإسرائيلية، اسباباً اقدم وأعمق من وجودها على احدى سفن «اسطول الحرية». فالزعبي التي ولدت ونشأت في مدينة الناصرة، وتتولى مقعدها النيابي منذ عام ونصف العام تقريباً، تؤكد ان استهدافها مرده اساساً الى طبيعة التزامها السياسي، فعلى رغم اهتمامها بالأمور السياسية منذ الصغر، الا ان نشاطها «الفعلي والمنهجي بدأ مع تأسيس حزب التجمع عام 1990». وتقول: «الأحزاب العربية الأخرى كانت تغيّب الجانب القومي العربي، ولا تجد المعادلة الملائمة للعمل السياسي في اطار المواطنة الإسرائيلية، خصوصاً في ما يتعلق بالتعارض بين هوية اسرائيل كدولة يهودية وهويتها العربية». وتضيف انه بخلاف هذه الأحزاب، فإن «التجمع» تعمد عدم اغفال الحقوق القومية للعرب الفلسطينيين ورفض تعريف اسرائيل لنفسها كدولة يهودية، كما ان جزءاً من برنامجه ادى الى «ترسيخ موقع هؤلاء العرب كجزء فاعل من القضية الفلسطينية وجزء من المواجهة مع مقولة الدولة اليهودية». ولفتت الى ان هذا الطرح قلب موازين اللعبة السياسية الإسرائيلية 180 درجة، وجعل «التجمع» ينفرد في رفضه تعريف اسرائيل بالدولة اليهودية بل بدولة لكل المواطنين، ما يتعارض كلياً مع المشروع الصهيوني. وتعاملت اسرائيل مع هذا الطرح عبر سياستها التقليدية التي تهدف الى تدجين العرب الفلسطينيين وترويضهم، لكن الزعبي ترى انه ابتداء من عام الفين بدأ الإسرائيليون يدركون حدود سياستهم هذه، فانتقلوا الى ملاحقة القيادات السياسية العربية تماشياً مع سياسة جديدة عنوانها «تجريم النشاط النيابي العربي». من هذا المنطلق، تقول الزعبي انه تمت فبركة ملفات أمنية ضد النائب عزمي بشارة، وهو من مؤسسي حزب «التجمع»، بهدف اعدامه سياسياً من خلال وضعه داخل السجن، ما جعل الحزب يتخذ قراراً داخلياً حمله على المغادرة. وترى الزعبي ان المستهدف من خلال الحملة التي تتعرض لها، ليس هي شخصياً، بل المشروع السياسي الذي تحمله، وتقول ان جزءاً من الغضب الذي انصب عليها من الكنيست مرده وجود ملف سياسي قديم يتناولها، مشيرة الى ان مشاركتها في «اسطول الحرية» شكلت فرصة للانقضاض على «التجمع» باعتباره عدواً للدولة الإسرائيلية. وتروي انه بعد جلسة التصويت الصاخبة على تجريدها من بعض من حقوقها النيابية، فإن عدداً من النواب توجه اليها بالقول ان هذه بداية الطريق لإخراج «التجمع» من الكنيست. وتعتبر ان اللعبة الإسرائيلية الآن تقضي بفرز من هو معتدل فتتفاوض معه، ومن هو متطرف فتعزله، وهي تطبق تماماًَ على مستوى عرب فلسطين، اذ تميز اسرائيل بين المعتدلين، في حين تصنف «التجمع» بالتطرف. ومرد هذا التصنيف يخضع، على حد قول الزعبي، الى المعايير الإسرائيلية نفسها المطبقة على فلسطين عام 1967، فمن يستطيعون جره الى التفاوض يعد معتدلاً، ومن لا يستطيعون جره فهو متطرف. وتضيف: «أما في الداخل، فإن من يطالب من العرب بالمساواة ضمن القبول بإسرائيل دولة يهودية، فهو معتدل، أما من يطالب بالمساواة رافضاً الإذعان للدولة اليهودية على غرار التجمع، فهو متطرف». ولعل من اسباب الغضب الإسرائيلي عليها ايضاً هو ان مشاركتها في محاولة كسر الحصار على غزة هو محاولة لتحرير عرب فلسطين وإلقاء الضوء عليهم باعتبارهم جزءاً من القضية والصراع الفلسطيني، فهي نجحت في اقامة رابط بين واقع سكان غزة وواقع عرب ال 1948 الذين يعتبرهم العالم مواطنين اسرائيليين، متجاهلاً الإجحاف اللاحق بهم. كما أن من اسباب الغضب عليها هو هذا الإصرار على مواجهة المشروع الصهيوني الذي يمثل هاجس رئيس الحكومة الإسرائيلي بنيامين نتانياهو. وتقول الزعبي ان «ابرز ما يتوق الى انجازه هو الإقرار بأن اسرائيل دولة يهودية من الأطراف الدولية والعربية». وبالنسبة الى تداعيات حملة التضامن الدولية معها، تشير الزعبي الى انه وسط الهجمة الهوجاء التي تعرضت لها، فإن من ابدى استياءه مما حصل معها من النواب الإسرائيليين محدود جداً، وأن هذا الاستياء لم يكن مرده الاقتناع بحقوقها وإنما مرده الصورة السلبية التي ستتكون عن اسرائيل في العالم. وأضافت ان رئيس الكنيست عبر عن عدم رضاه عن الحملة ضدها بعد تلقيه رسائل متعددة من برلمانيين دوليين، معتبراً ان ما تتضمنه هذه الرسائل من انتقادات يسيء الى اسرائيل والمبادئ الديموقراطية.