في محاولة من الحكومة الفلسطينية لمنع المستوطنين من السيطرة على نبع للمياه في قرية قراوة بني حسان في محافظة سلفيت شمال الضفة الغربية، عمدت الى تعبيد طريق يوصل القرية الى النبع بطول 17 كيلومتراً لتمكين الاهالي من الوصول الى حقولهم المحيطة بذلك النبع وفلاحتها وحمايتها من خطر الزحف الاستيطاني. ولتأكيد دعم الحكومة لأصحاب الارض في مواجهة المستوطنين الطامعين في الموقع، قام رئيس الوزراء الدكتور سلام فياض بزيارته في ذكرى «يوم الارض» قبل ستة اشهر، وشارك المزارعين في حراثة ارضهم الجبلية الوعرة، مستخدماً محراثاً بدائياً يجره حصان، وقدم لهم المال اللازم لتعبيد الطريق (335 الف دولار). لكن السلطات الاسرائيلية ارسلت قبل ايام إخطاراً الى رئيس بلدية القرية تبلغه فيه قرارها تجريف الشارع لنه مقام في المنطقة (ج) الواقعة تحت السيطرة الاسرائيلية. وسارع رئيس البلدية للاستنجاد بفياض الذي قام بدوره بزيارة الموقع من جديد، وافتتح الطريق المعبد في اليوم ذاته الذي انطلقت المفاوضات تحت الراعية الاميركية في واشنطن، في محاولة لاحراج السلطات الاسرائيلية وجعلها تتراجع عن قرار الهدم. وقال فياض ل «الحياة»: «افتتاح هذا الطريق يعبر عن اصرار شعبنا على الخلاص من الاحتلال وعذاباته وويلاته»، مضيفاً: «شق مثل هذا الطريق في منطقة تحظر علينا السلطات الاسرائيلية العمل فيها هو جزء من نهج الخلاص الذي تتبعه الحكومة والقائم على بناء الوقائع الايجابية على الأرض، والتوحد حول خيار المقاومة السلمية للاستيطان». وتابع: «في كل مشروع جديد ننفذه على الأرض نقول للجميع: إننا على هذه الأرض باقون». وكان مستوطنون من مستوطنة «خفات يائير» المقامة على ارض القرية، قاموا بسلسلة محاولات للاستيلاء على نبع المياه الذي يصل اليه هذا الطريق ويحمل اسم «نبع نويطف». ولا يخفي المستوطنون نيتهم اقامة مشروع ترويحي في هذا الموقع الذي يضم الى جانب نبع المياه، صخوراً قديمة تحيط بها الاشجار، وتصلح لأن تكون متنزها. وأقام المستوطنون قبل اشهر بركة للسباحة في موقع النبع، لكن اهالي البلدة هدموها. وقال أصحاب الارض ان المستوطنين عرضوا عليهم شراء ارضهم بملايين الدورلات من اجل اقامة مشروع استيطاني سياحي عليها، الا انهم رفضوا. وقال رئيس البلدية ل «الحياة» ان صكوك ملكية الارض التي يمتلكها الاهالي حالت حتى الآن دون سيطرة المستوطنين على الارض، لكنهم يتبعون طرقاً اخرى في السيطرة عليها مثل فرض الحقائق على الارض. ولا تخفي السلطات الرسمية الاسرائيلية دعمها للمستوطنين من اجل السيطرة على هذه الارض عبر جعل وصول اهل القرية اليها صعبا. وقال رئيس البلدية: «ماذا يضير اسرائيل ان يكون هذا الطريق الواصل الى ارضنا معبدا؟ اليس الامر يهدف الى جعل حياتنا صعبة لكي نضطر مع الزمن الى هجرتها، ليقوموا هم بالاستيلاء عليها». وفي مقابل العقبات الشديدة التي تضعها السلطات الاسرائيلية في طريق المواطنين الفلسطينيين، فإنها تقدم سلسلة لا تنتهي من التسهيلات للمستوطنين للاستيطان في الضفة، مثل قروض اسكان من دون فوائد، وشقق وبيوت تقل اسعارها كثيرا عن نظيراتها في اسرائيل، وحماية واعفاء ضريبي على المنتجات وغيرها. وقسّمت اسرائيل اراضي الضفة بموجب اتفاق اوسلو الى اربعة انواع: المنطقة «أ» وتساوي 17 في المئة من مساحة الضفة، وتقع تحت السلطة الفلسطينية امنيا ومدنيا. والمنطقة «ب» وتساوي 24 في المئة من مساحة الضفة، وتقع تحت السلطة المدنية الفلسطينية والامنية الاسرائيلية. وتساوي المنطقتان معا 41 في المئة من مساحة الضفة. والمساحة المتبقية وهي الاكبر (نحو 60 في المئة) هي المنطقة «ج» التي تخضع للسيطرة المدنية والامنية الاسرائيلية. اما المنطقة الرابعة التي فهي القدسالشرقية التي جرى تأجيل البحث فيها الى المفاوضات النهائية، لكن اسرائيل واصلت اعمال التوسع الاستيطاني فيها بتسارع كبير وغير مسبوق بهدف تغيير طابعها العربي وتحويلها الى مدينة ذات غالبية يهودية قبل التوصل الى أي اتفاق في شأنها. واستغلت اسرائيل فترة الاتفاقات الانتقالية منذ اتفاق اسلو عام 1993 حتى اليوم للاستيطان في اوسع منطقة ممكنة في المنطقة (ج). وتشير احصاءات الى ان مناطق نفوذ المستوطنات تشمل المساحة الاكبر من هذه الارض. وأمام تعثر المفاوضات، وتزايد الضغط السكاني والعمراني في المناطق المحدودة التي تسيطر عليها السلطة، بدأت الحكومة الفلسطينية بتنفيذ مشاريع حيوية للمواطنين في المنطقة (ج)، الامر الذي ردت عليه السلطات الاسرائيلية بسلسلة اجراءات قاسية منها هدم عشرات البيوت والمباني، بما فيها مدارس ومساجد في هذه المنطقة بدعوى اقامتها من دون ترخيص. ويقول فياض: «هم يهدمون ونحن نبني، لا خيار لنا سوى البقاء على هذه الارض». وأضاف: «نقوم بإعادة بناء كل بيت ومبنى يهدمونه، سواء كان بيتاً اسمنتياً او من الصفيح والخيش». وخصصت حكومة فياض مبالغ مالية لشراء بيوت متنقله من الخيش وصهاريج المياه والتراكتورات الزراعية لتقديمها للمواطنين الذين يعيشون في مناطق نائية في المنطقة (ج) ويتعرضون لملاحقة دائمة من السلطات التي تهدم بيتهم. وقال فياض: «السلطات تحاول دفع هؤلاء المواطنين الى هجرة ارضهم تمهيداً لمصادرتها، ونحن بامكاناتنا المتواضعة نقوم بتزويدهم بما يعزز بقائهم في هذه الاراض من بيوت متنقلة بسيطة وصهارج لنقل المياة ومدارس». وستكون المنطقة (ج) والقدس في قلب المحادثات الفلسطينية الاسرائيلية التي انطلقت أخيراً في واشنطن. وتظهر وثيقة داخلية أعدها الوفد الفلسطيني المفاوض وقدمها الرئيس عباس الى الجانب الاميركي ان الجانب الفلسطيني يريد سيطرة على كامل الضفة، بما فيها القدسالشرقية حتى حدود الرابع من حزيران (يوليو) عام 1967. وتظهر الوثيقة أن الجانب الفلسطيني مستعد لاجراء تبادل اراضي بنسبة 1.9 في المئة من الضفة لتجميع المستوطنات عليها في مقابل نسبة مماثلة من الارض. لكن اسرائيل رفضت العرض الذي حمله المبعوث الاميركي جورج ميتشل اثناء المفاوضات غير المباشرة، واقترحت بدلا منه اقامة دولة فلسطينية على حدود موقتة، الامر الذي رفضه الجانب الفلسطيني. وتدور المفاوضات الجديدة حول اتفاق اطار يجري تنفيذه في وقت لاحق، لكن التوقعات بالتوصل الى هذا الاتفاق ما زالت ضئيلة.