لم يعد امتلاك حساب في موقع للتواصل الاجتماعي يعني فقط مجرد صفحة شخصية يفعِّل فيها المستخدم ما يشاء ويشارك ما يريد من دون تخطيط ودرس، بل صار الأمر يرتبط أحياناً بالتطور الشخصي وآفاق العمل. ذلك أن تلك المواقع أفرزت بيئة استثمارية شخصية، وأظهرت نجاحات كثيرة، بعدما خرَّجت نجوماً وفنانين ومستثمرين ومسوقين ورواد أعمال. وبعيداً من البرامج المرئية التي حققت أرباحاً ضخمة، أو حسابات التسويق التي روجت لمنتجات جرى تداولها بشكل أكبر، أو حتى الأشخاص العاديين الذين أسهمت مواقع التواصل في صنع شهرتهم، وأكسبتهم انتشاراً أسهم في تغيير حياتهم للأفضل، باتت هذه المواقع تلعب دور المرجعية الثقافية والفكرية والأخلاقية لمستخدميها، إذ تمكّن من معرفتهم والاستقصاء عنهم بطريقة مريحة أكثر من المقابلات الشخصية والأسئلة الروتينية. وفي الواقع، صار بالإمكان معرفة الأشخاص واهتماماتهم وحتى مستواهم اللغوي، من خلال كتاباتهم وآرائهم في مواقع «تويتر» و«فيسبوك»، فيما يمكن الإطلاع على اتجاهاتهم الأخلاقية والمعرفية من خلال الطرح البصري عبر «يوتيوب» و«آنستغرام» وغيرها من الوسائل المرئية. فهذا العالم «المؤرشف» الذي «لا يسمح بالنسيان أو الستر» عبر مسح أخطاء الماضي، بات قاعدة معلومات كبيرة متاحة للجميع، توفر إمكان تشكيل فكرة عن المستخدم، وهي فكرة ربما تكون إيجابية أو سلبية، وتترك تأثيراً مباشراً في حياته الشخصية والمهنية وحتى العائلية. ولذلك، تحوّلت مواقع التواصل إلى وسيلة يستخدمها كثير من الشركات التجارية والمؤسسات الحكومية لمعرفة شخصية المتقدم للعمل وقدراته وسلوكياته، تغني أحياناً عن السيرة الذاتية. ولعل الأهمية الكبيرة التي صار عليها الجانب «الافتراضي» من حياة الأشخاص هو ما دفع نائب رئيس مجلس الجمعية العلمية السعودية في بريطانيا» موضي الجامع، إلى إطلاق حملة بعنوان: «هويتك تمثلك» لتحسين الهوية الإلكترونية للأفراد، خلال ورشة عمل حول المهن. وتهدف الحملة إلى تطوير المسؤولية الإلكترونية للأفراد من خلال التسجيل بأسمائهم الحقيقية، وحفزهم على التميز في مواقع التواصل، وفهم ماهية المواقع وأهميتها، وأنها تتعدى حاجز المتعة والتسلية لتدخل نطاق الواقعية، وتوعيتهم بأخطار الاستخدام السيئ لها على الصعيد الشخصي والمهني، والتعرف على الطرق الأفضل لاستخدامها كوسيلة تسويق لإيجابيات ونقاط قوى مستخدميها. وأطلق فيديو خاص بالحملة على موقع «يوتيوب» يظهر عدداً من «الهوامير» في مواقع التواصل الاجتماعي الذين يحكون من خلال خبرتهم فيها عن الطرق الأفضل لاستخدامها، مقدمين نصائح لتجنب الاستخدام السيئ لها. وقالت إحدى المشاركات في الحملة، الاختصاصية الاجتماعية أماني العجلان ل«الحياة»: «الهوية الإلكترونية أصبحت حاجة، لأنها تفتح أبوباً لوظائف ومشاريع، من خلال التسويق الأمثل للمستخدم في مواقع التواصل الاجتماعي من طريق مشاركة الخبرات والتخصصات مع الآخرين». وتضيف أن تحقيق الهوية الإلكترونية «ليس بالأمر الصعب، ولا يحتاج إلى التوثيق الرسمي للحساب من مواقع التواصل الإلكترونية، فالاسم الحقيقي إضافة إلى الصورة الحقيقية والبريد الإلكتروني الرسمي تكون كافية». وبيّنت العجلان أن «التميز في الطرح يجعل اسمك متداولاً، ما يخلق فرصاً لتلقي العروض الوظيفية، وعلى النقيض تماماً ربما يكون عائقاً في حال الاستخدام السيئ لهذه المواقع، خصوصاً حين يبحث صاحب العمل عن المتقدم في هذا الفضاء الذي تصعب فيه السيطرة على المعلومة». وتفاعل مغردون في موقع «تويتر» مع الحملة التي خصص لها «هاشتاق» يحمل اسمها، من خلال تقديم نصائح تعزز التبادل المعرفي في استخدام المواقع بشكل يساعد المستخدمين في تسويق أنفسهم مهنياً. وكتب محمد بن أحمد: «هويتك الإلكترونية التي تصنعها في العالم الافتراضي يمكنها أن تخلق لك فرصاً وظيفية ناجحة، كما يمكن أن تضيّع فرصاً كانت بين يديك»، ووافقته غدير في نصيحة وجهتها من خلال ال«الهاشتاق»: «هويتك الإلكترونية في هذا العصر تهبك أو تحرمك الوظيفة، فكن شخصاً يبحث عنه أصحاب العمل فيبهرون». وشاركت «المغردة» ساشا بالقول إن «أفكارك وآراءك تمثلك أنت وحدك... أسلوبك وتعاملك يؤثران في الجميع»، ورأى الكنتاوي أن «ما يكتب من خلالك عبارة عن شيء سينتقل على نطاق واسع وسيقرن باسمك مدى الحياة، فاحرص على أن تجعل لك قيمة مضافة دائماً».