تنطلق المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية المباشرة، وبرعاية أميركية، وتأييد من جامعة الدول العربية، وسط شكوك كبيرة جداً في تحقيق أي تقدم في المفاوضات، وفي تحقيق قيام دولة فلسطينية تستطيع العيش، نظراً إلى الكثير من العوامل والمعطيات الفلسطينية والإسرائيلية الإقليمية والدولية، التي تعوق تقدم مفاوضات جادة تنتهي إلى تحقيق الأهداف التي انطلقت من أجلها، لذلك وبنظرة تحليلية على خريطة المفاوضات المباشرة، والأطراف المشاركة أو الراعية لها نجد أن تحقيق التقدم أمل ضعيف إن لم يكن مستحيلاً، وذلك للأسباب الآتية: أولاً: يدخل الجانب الفلسطيني المفاوضات وسط انقسام حاد في القيادات الفلسطينية المكونة للحكومة الحالية والمُقالة، أو المنظمات الفلسطينية غير المشاركة فيها، فحركة حماس تعارض المفاوضات وتعتبرها استسلاماً، في ظل حصار خانق لقطاع غزة، واستفزازات يومية للقطاع من الجانب الإسرائيلي، فيما تؤيد منظمة فتح المفاوضات المباشرة، على رغم تشكيك الكثير من قياداتها في المفاوضات بنجاحها، وهو ما صرح به صائب عريقات كبير المفاوضين الفلسطينيين في محادثات السلام، وتحذير عباس من الاستمرار في المفاوضات إذا استأنفت إسرائيل بناء المستوطنات، إن الانقسام الفلسطيني الذي تغذيه التجاذبات العربية والإقليمية والدولية، سيضعف موقف المفاوض الفلسطيني بشكل كبير ويفيد الجانب الإسرائيلي، في هذه المفاوضات، ويفك الخناق الدولي عن الإسرائيليين بعد حرب غزة والاعتداء على قافلة الحرية. ثانياً: أعطى الجانب الإسرائيلي إشارات تُظهر بشكل جلي أن المفاوضات لن تنجح، ومنها تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، التي تؤكد وقف تجميد بناء المستوطنات - الذي كان موقتاً من الأساس - والبدء بتوسيع وبناء المستوطنات في الأراضي الفلسطينية المحتلة، متذرعاً بالكثير من الأسباب غير الصحيحة، وكذلك عدم المساومة بشأن وجود دولة فلسطينية منزوعة السلاح، واعتراف الفلسطينيين بيهودية الدولة الإسرائيلية، وكأنه بهذه الشروط المسبقة يحكم على المفاوضات بالفشل، أو بالأحرى القتل، وهذا لا يشكل مفاجأة للكثير من المراقبين والمحللين، إذ إن شكل الحكومة الإسرائيلية وتركيبتها المتطرفة لا تشجع على التفاؤل في نجاح عملية السلام في المنطقة والوصول إلى حل مرضٍ للأطراف كافة، إن وجود نتنياهو في رئاسة الوزراء، وليبرمان في الخارجية، وتحالفهما مع حزب شاس الديني، لا يعطي أي أمل في نجاح المفاوضات بينهم وبين الفلسطينيين. ثالثاً: موقف الراعي الأميركي من المفاوضات يحدده ثلاثة أطراف مهمة وهي: الرئيس الأميركي باراك أوباما، ووزيرة الخارجية هيلاري كلينتون، ومبعوث السلام للمنطقة جورج ميتشل، ويبدو أن الرئيس الأميركي أوباما يحاول أن يحقق اختراقاً في عملية السلام، إيفاءً لوعوده الخطابية في أنقرة والقاهرة، لكن وزيرة خارجيته ليست بحماسة الرئيس نفسها، وهو ما يجعل الحكومة الإسرائيلية تتجنب المزيد من الضغوط من البيت الأبيض، أما بالنسبة لمبعوث السلام جورج ميتشل فهو منسق وناقل أفكار، ويفترض أن ينقل وجهات نظر جميع الأطراف ويبحث عن أرضية مشتركة بين الطرفين، لينقلها بدوره إلى الرئيس ووزيرة الخارجية، لذلك نجد أن الراعي الأميركي لا يملك التصميم القوي بالضغط على الجانب الإسرائيلي بسبب التباينات بين أركان الإدارة تجاه التعامل مع إسرائيل في حال رفضها وتملصها من استحقاقات المفاوضات وعملية السلام. رابعاً: بالنسبة للجانب العربي في هذه المفاوضات، فقد تبنت الدول العربية في قمة بيروت عام 2002 المبادرة العربية، التي تتضمن الانسحاب الإسرائيلي من الأراضي العربية المحتلة في مقابل السلام، وكذلك أيدت جامعة الدول العربية المفاوضات المباشرة بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وهو ما يعتبر دعماً سياسياً من الدول العربية للمفاوض الفلسطيني، لكن الموقف العربي يبقى أسير الانقسامات الفلسطينية الحادة، واختلاف الفصائل الفلسطينية تجاه المفاوضات المباشرة مع إسرائيل. من الواضح أن غياب التوازن في المفاوضات بين الجانبين، وفي العوامل كافة، سيؤثر سلبياً على سيرها بالنسبة للجانب الفلسطيني، فإسرائيل تدخل المفاوضات وهي رافعة سقف المطالب من خلال عدم قبول وقف بناء المستوطنات، واستمرار سياسة مصادرة الأراضي، وتهديم البيوت، والاستمرار في بناء جدار العزل العنصري، وشرط قبول الجانب الفلسطيني بيهودية الدولة الإسرائيلية، ما يجعل عملية التفاوض أقرب إلى عملية إملاءات واستسلام، لا مفاوضات، فيما الجانب الفلسطيني يفتقد إلى الموقف الموحد تجاه المفاوضات، وهو الحد الأدنى لنجاحها، ما يعكس مدى التشاؤم بنجاح العملية لدى الكثير من المراقبين. يقول السادات إن 99 في المئة من أوراق حل قضية الشرق الأوسط في يد الولاياتالمتحدة الأميركية، وأنا أرى أن الأوراق في يد العرب والفلسطينيين، إذا أحسنوا استخدامها من خلال الانطلاق من موقع القوة الضاغطة على الولاياتالمتحدة الأميركية، وإشراك الدول الأوروبية وروسيا والصين، والبرازيل وتركيا والهند، وتعزيز مصالحهم في المنطقة، وكذلك رفع سقف المطالب الفلسطينية والعربية، أمام المطالب الإسرائيلية، إن إشراك الكثير من اللاعبين الدوليين، وعدم الاقتصار على الدول الكبرى يصب في مصلحة المفاوض الفلسطيني والعربي، وكذلك تنشيط المصالح الاقتصادية مع الدول الفاعلة كالهند والبرازيل وتركيا، واستغلال القوى الشعبية الضاغطة في هذه الدول، وكذلك في الدول الغربية، والتواصل مع وسائل الإعلام الدولية لشرح مواقف الجانب العربي، وعدم ترك الساحة للأميركيين والإسرائيليين في هذه النقطة بالذات، يعزز المواقف العربية ويقوي الجانب الفلسطيني في مفاوضات السلام المعقدة والطويلة. أعتقد أن المفاوضات المباشرة بين الفلسطينيين والإسرائيليين لن تفضي إلى شيء، وأرادتها إسرائيل لتخفف من الضغوط الكبيرة، المحلية والإقليمية والدولية التي تواجهها، خصوصاً بعد حرب غزة والهجوم على قافلة الحرية، وكذلك تخفيف ضغوط الرئيس الأميركي باراك أوباما، وهنا أخص الرئيس وليس باقي الإدارة الذين أشك في جديتهم بالضغط على إسرائيل، حتى تدخل حملة التجديد الانتخابية للرئيس، وينشغل بها، وتتأجل مسألة الدولة الفلسطينية والمفاوضات حتى تنتهي حملة التجديد، وتستفيد إسرائيل من هذه الفترة لترتيب أوراقها واستخدام وسائل الضغط لديها في أثناء الانتخابات بتنشيط اللوبي الصهيوني، وكذلك تستغلها بتوسيع المستوطنات وفرض الأمر الواقع خلال هذه الفترة ونعود للمربع رقم واحد. * أكاديمي سعودي.