من يتصفح صحيفة «باسنيوز» الكردية، لا يصدق للوهلة الأولى أنها صحيفة تصنع السياسات وترسمها في كردستان العراق حيث واقع الإعلام الحزبي الذي لا يزال طاغياً على المشهد الإعلامي، على رغم المحاولات الجادة - التي فشلت أو لم تتبلور بعد - لإيجاد واقع إعلامي مميز في الإقليم من حيث الصناعة والتأثير. انطلقت «باسنيوز» لتكون صوتاً مميزاً بين الأصوات الصحافية الإعلامية في كردستان العراق. ويبدو للوهلة الأولى أنها نجحت في تكريس ذاتها كصحيفة تسلط الضوء على الواقع المعاش أو تتميز من خلال طريقة حصولها على الأخبار الخاصة التي لم تتناولها بقية الصحف الكردية. ولعل ما يميز «باسنيوز» أنها جريدة مستقلة غير حزبية، يهدف القائمون عليها إلى أن يضيفوا شيئاً جديداً على الساحة الصحافية، شكلاً ومضموناً. وهي تصدر باللغة الكردية وكذلك العربية، إلا أن موقعها الإلكتروني متعدد اللغات، إذ ينشر مواده بالعربية والإنكليزية والألمانية والكردية (الكرمانجية والسورانية). ويغلب على صفحاتها اللون الأزرق الفاتح الذي يرمز إلى السلام، أي بناء صحافة السلام. «فلو كان هدفنا أن تكون (الجريدة) كسواها من الصحف الكُردية... لبقينا في قوقعة الصحافة الحزبية»، يقول رئيس تحرير «باسنيوز» بوتان تحسين الذي يتكئ على تجربة طويلة في الإعلام الكردي، بدءاً من جريدة «خبات» الكردية الناطقة باسم «الحزب الديموقراطي الكردستاني» وانتهاءً بصحيفة «آراس». ينتظر متابعو «باسنيوز» أن يقرأوا في صحيفتهم أخباراً أو تحليلات موضوعية بأقلام صحافيين وكتاب من أرجاء الإقليم. يقول بوتان: «كتابنا ينتمون إلى مختلف الشرائح الاجتماعية والسياسية في كردستان، على أن يكون لهم دور في واقعهم الاجتماعي. ومع ذلك، ليس في وسعنا احتواء بقية الأقلام». ويشير نور الدين ويسي، الذي يقدم نفسه كمستشار ل «باسنيوز»، إلى أن «تجربة كتاب الزوايا جديدة في كردستان»، كاشفاً عن رغبة الصحيفة في أن تساهم في صنع قادة رأي في الإقليم. ويقول: «الشرق الأوسط عموماً يفتقر إلى قادة الرأي. ربما فقط في تركيا يمكن أنْ نجد بعض قادة الرأي، وقد نجد في لبنان كتاب زوايا أو معلقين ناضجين. لكننا لا نريد أن نقلد غيرنا، بل نحاول أن نعمل ونؤسس لتجربة جديدة في كردستان، وهي تجربة صناعة قادة الرأي». ويقول تحسين: «نحن لا نعتمد فقط على كتاب الزوايا للتحليل السياسي فقط، بل أردنا أن نؤسس لكل حقل قادة رأي، ففي باسنيوز يمكن أن تقرأ عموداً عن السينما وآخر عن المسرح وغيرها من الحقول، هدفنا من وراء ذلك أن نعكس للعالم أمراً مفاده أن لكل حقل علمُهُ»، ويتابع بوتان: «نحن أيضاً أسسنا حيزاً لقراءة الكتب ونقدم كل أسبوع قراءة للكتاب». تفتقر غالبية الصحف في كردستان إلى حيز «قراءة الكتب»، فهذا تقليد غير منتشر في الوسط الكردي بعد. ويعزو بعض المراقبين ذلك إلى الظروف التي أحاطت بالأكراد خلال تاريخهم المعاصر، إذ كان المتلقي - والإعلام - الكردي يهتم بالتطورات السياسية أكثر من الأفكار أو الإصدارات الجديدة. تجدر الإشارة إلى أن عدد الصحف الصادرة في كردستان العراق يبلغ نحو مئة جريدة، بين حزبية ومستقلة، وغالبيتها ناطقة بالكردية. أما عدد المنابر الإعلامية، فيبلغ نحو 800 منبر إعلامي، بين مرئي ومسموع ومطبوع. وفي هذا السياق، تسعى «باسنيوز» إلى بلورة واقع مختلف وجديد في «صناعة الصحافة» في المشهد الإعلامي في كردستان العراق. وهي تطل على قرائها أسبوعياً، صباح كل ثلثاء، لتغنيهم بمادة جديدة لم يحصلوا عليها، سواء في محطات التلفزة المحلية... أم في الصحافة اليومية الأخرى.