لا يضاهي اهتمام المصريين بمتابعة حوادث وتطورات الموسم الرمضاني الدرامي سوى اهتمامهم، المنبهر حيناً والغاضب أحياناً، بكلفة الأعمال وأجور صانعيها الخيالية. وعلى رغم أن كثيرين عاجزون عن تصور حجم المليون جنيه -فكيف بالبليون؟- فإن الأحاديث المسيطرة على الجلسات الرمضانية المسائية لا تخلو من إطلالة على النصف بليون جنيه مصري إجمالي كلفة إنتاج المسلسلات المصرية وقوامها نحو 60 مسلسلاً. وبالطبع فإن العملية الحسابية الكلاسيكية دائماً تسيطر على فكر كثيرين. يقول محمد سعفان (49 سنة، عامل) بكل جدية: «لو قسمنا ال500 مليون جنيه كلفة المسلسلات على 80 مليون مصري، فإن كلاً منا سيضع في جيبه ستة جنيهات وربع جنيه، بالتالي ستحل مشكلات البلد كلها». هذا الحل الذي ينافس المسلسلات نفسها في فانتازيتها لا يضاهي لوائح أجور الفنانين والفنانات التي أشعلت نيران الغيرة الشعبية تارة، والفنية تارة أخرى. فبين ملايين يحيى الفخراني («شيخ العرب همام») ال14، وملايين يسرا («بالشمع الأحمر») التسعة ونصف، وإلهام شاهين («امرأة في ورطة») وملايينها السبعة، وحتى مي كساب ذات المليون ونصف، وقف كثيرون مشدوهين أمام هذه الأرقام المبالغ فيها في ظل توابع واضحة للأزمة المالية العالمية التي ألقت بظلالها على صناعة المسلسلات. تعليقات لا أول لها أو آخر تساءل أصحابها عن منطقية هذه المبالغ الطائلة في ظل سلسلة من الأزمات الاقتصادية الطاحنة، وجدواها في ظل ما يقدم على الشاشة من أعمال لا يسمن الكثير منها ولا يغني من جوع، واستحقاق الحاصلين عليها لها. هذا الاستحقاق هو ما شجع القائمين على أمر برامج الحوار الرمضانية على الاصطياد في المياه العكرة، واستضافة الفنانين ممن فاتهم القطار الدرامي الرمضاني 2010، وسؤالهم عن موازنات المسلسلات وأجور زملائهم، بغرض إطلاق العنان على الهواء لمشاعر لا تخلو من حسد. مشاعر من نوع آخر تؤججها الهجمة الدرامية الرمضانية، بعضها ظهر في صورة دعاوى قضائية أو إنذارات أو وقفات احتجاج. المحامي صاحب الدعاوى القضائية الأشهر نبيه الوحش استهل هذا الاتجاه قبل رمضان بإرسال إنذار على يد محضر للتلفزيون الرسمي مطالباً إياه بوقف تصوير مسلسلات رمضان، والسبب هو «المغالاة في أجور الفنانين التي تستنزف موازنة الدولة». وإذا كانت هجمة الوحش على مسلسلات رمضان ترتكز على الجانب الاقتصادي، فإن هجمة الممرضات على «زهرة وأزواجها الخمسة» «أخلاقية». فقد نظم أعضاء نقابة التمريض وقفة احتجاجية وطالبوا وزير الصحة الدكتور حاتم الجبلي بالتدخل لدى وزير الإعلام أنس الفقي بوقف عرض المسلسل، وحجتهم في ذلك أن المسلسل يسيء إليهم وللمهنة. وهناك من يرى أن على المتضررين من مسلسلات رمضان، سواء لأسباب دينية تتعلق بطبيعة الشهر الكريم أم اجتماعية أم حتى أيديولوجية أن يتوقفوا عن مشاهدتها من دون ضجة. من بين أولئك مجموعة ظهرت على متن ال «فايسبوك» اتخذت لنفسها شعار «مش هتفرج على مسلسلات رمضان». لكن الغالبية المطلقة تمضي ليل رمضان وجانباً من نهاره وهي غارقة حتى أذنيها طواعية في متابعة تحركات الطبيبة الشرعية «فاطمة» (يسرا)، ومحاولات العقيد «حسن» (خالد الصاوي) حل لغز مقتل سيدة الأعمال الشهيرة في «أهل كايرو»، ومنها إلى «ملكة في المنفى» وتجسيد نادية الجندي لشخصية الملكة نازلي، ثم سرعان ما يركضون لمتابعة ماذا حل ب «الجماعة» (بكلفة 35 مليون جنيه مصري) التي رفعت الحرج عن التلفزيون الرسمي المصري الذي لا يلقبها إلا ب «المحظورة»، وصار يعرضها في ساعات الذروة، ما يؤكد أن المسلسل يقدم «المحظورة» بوجهة نظر تتطابق والاتجاه الرسمي. إلا أن الرياح كثيراً تأتي بما لا تشتهي الجهات الرسمية، إذ خلت قائمة ال15 مسلسلاً الأعلى مشاهدة عند الجمهور المصري من مسلسل «الجماعة» – بحسب بحث أجرته شركة «تي أن أس» (تايلور نلسون سوفرز) المتخصصة في إجراء قياسات الاتجاهات والرأي العام في نحو 75 دولة حول العالم. واحتلت مسلسلات «شيخ العرب همام» بطولة يحيى الفخراني، ثم «أغلى من حياتي» لمحمد فؤاد، ثم «راجل وست ستات» لأشرف عبد الباقي قائمة المسلسلات الثلاثة الأعلى مشاهدة في الأيام الأولى من رمضان. ويلوح خبثاء بأن العامل الوحيد الذي ربما يكون قد أثر سلباً على المشاهدة الدرامية الرمضانية هذا العام هو انقطاع التيار الكهربائي الذي لم يترك بيتاً في مصر إلا وعاده لساعات منذ بدء الشهر الكريم.