مع استكمال انسحاب القوات الأميركية المقاتلة من العراق، كشف رئيس الحكومة البريطانية السابق توني بلير بعض ما جرى في الإعداد للحملة العسكرية لإطاحة نظام الرئيس السابق صدام حسين وما كان يهدف إليه اليمين الأميركي، وعلى رأسه ديك تشيني نائب الرئيس جورج بوش. وأعاد بلير بدء الاستعداد للحرب الى مراحل التسعينات، ولم يُخل ذمة الرئيس الأميركي السابق بيل كلينتون الذي كان وضع البذور الأساسية للحرب خلال حملة القصف الجوي على الدفاعات العراقية في كانون الأول (ديسمبر) عام 1998، بعدما رفض صدام السماح لمفتشين دوليين استكمال بحثهم عن أسلحة للدمار الشامل ادعت بريطانيا والولاياتالمتحدة أن العراق يملكها. وفي مذكرات بلير، التي صدرت أمس بعنوان «رحلة» وبدأ بيعها في بريطانيا بنصف السعر الأصلي وتألفت من 736 صفحة احتل الحيز العراقي فيها الفصل 13 بين 22 فصلاً ومن الصفحة 371 حتى 479، حاول الحصول على «براءة ذمة» من العالم متحدثاً عن دور الصقور في الإدارة الأميركية وفي طليعتهم تشيني الذي قال (الصفحة 408) انه كان «يعتقد بأن الولاياتالمتحدة في حرب مع الإرهابيين ومع الدول المارقة التي تساندهم والحل الوحيد لدحرهم هو انتصار للولايات المتحدة عبر ضربهم ونشر الديموقراطية». وأشار بلير الى أن شيني كان يريد إطاحة صدام وضرب سورية وإيران ومن ثم «حزب الله» و «حماس» اللذين يحتميان بهما. وأعرب عن اعتقاده بأن تشيني كان يريد بعد 11 أيلول (سبتمبر) «عالماً جديداً»، ولو تم تغييره «بالقوة وبسرعة». وبعدما دافع عن قراره الاشتراك في الحرب وسرد مراحل الإعداد لها، من وجهة نظر شخصية، دافع عن ضرب إسرائيل المفاعل النووي العراقي في 1981. وقال إن صدام أصبح أكثر وحشية بعد إجباره على الانسحاب من الكويت التي احتلها في 1990 «ما حتم التعامل معه في أوجه مختلفة». وتذكر بلير أن الإعداد لإطاحة صدام بدأ مع صدور «قانون تحرير العراق» عام 1998 وفي عهد كلينتون و «تم تثبيت الأمر مع خطاب «حال الاتحاد» في كانون الثاني (يناير) 2002 عندما أطلق بوش تعبير «الدول المارقة» التي عكست آراء المحافظين الجدد، وتشيني في طليعتهم. وربط فيه بوش كلاً من إيران وسورية والعراق وكوريا الشمالية، ما ثبت الرأي القائل إن «الولاياتالمتحدة عزمت على تغيير العالم وليس قيادته فقط». ولم يكشف بلير الكثير عما عرضه مع كلينتون في الشأن العراقي، لكنه عرض مداولاته في هذا الشأن مع بوش، وللمرة الأولى عام 2001 في كمب دايفيد بعد هجمات 11 أيلول. وقال: «لم أشعر باستعجال لدى الأميركيين لعمل عسكري»، إذ «أن بوش كان يهدف الى بناء جبهة يمينية في الولاياتالمتحدة قادرة على إبقائه في السلطة في انتخابات رئاسية ثانية». واعترف بأن التخطيط الحقيقي للحرب، في الجانب البريطاني، وضع قيد التنفيذ بعد اجتماع عقده مع بوش في نيسان (أبريل) 2002 في مزرعته في كروفورد في تكساس، مشيراً الى انه خلال الإعداد للحرب أثار مراراً مسألة تأثير إطاحة صدام في العلاقات بين السنة، الذين ينتمي إليهم صدام، والشيعة في العراق الموالين لإيران، والانعكاسات في منطقة الشرق الأوسط. ولم ينس الإشارة الى انه شجع بوش مراراً على المساهمة بقوة في وضع حل لمسألة الشرق الأوسط ضمن أولوياته وبالتزامن مع ترتيبات إطاحة صدام. وركز بلير غالبية مذكراته على التوازن الداخلي في السياسة البريطانية والعلاقات مع الولاياتالمتحدة، إلا انه ضمنها هجوماً كبيراً على سلفه غوردون براون الذي خسر الانتخابات العامة الأخيرة بسبب تخليه عن «مبادئ حزب العمال الجديد». وقال إن علاقته مع براون، التي استمرت 27 عاماً، بدأت كالعشاق ثم تحولت الى زواج ثم الى خصومة لكنه أشاد بجهود براون وما فعله أثناء الأزمة المالية التي ضربت بريطانيا والعالم. وما لفت النظر تأييد بلير لحكومة التحالف بين المحافظين والليبيراليين قائلاً: «إن بريطانيا اختارت للحكم نسخة جديدة من العمال الجدد». وروى أن علاقته مع الملكة في الأيام الأولى لم تكن جيدة، خصوصاً أن اليزابيت الثانية كانت متوترة جداً بعد مصرع ديانا. واعترف بأنه وديانا كانا «يستغلان من حولهما». وقال انه أثار معها قبل شهر من موتها مسألة علاقتها بدودي الفايد. وأفرد بعض العبارات للحديث عن العلاقة بين كلينتون ومساعدته مونيكا لوينسكي، وعن الفضيحة التي ضربت حكومته من جراء علاقة بين نائبه جون بريسكوت وسكرتيرته. وقال إن «ثمة خطأ مطلقاً في إقامة علاقة مع من يعملون معك».