على رغم كل ما يمكن ان يقال حول أسلوب الصحافي مفيد فوزي في التقديم التلفزيوني، الأكيد أنه وضع أسس مدرسة الإحراج التلفزيوني التي نعيش أزهى عصورها في شهر رمضان. كان المبدأ المتبع في البرامج التلفزيونية إكرام الضيف من طريق إغراقه في المجاملات. لكن برامج مفيد فوزي وأسلوبه الصدامي الباحث عن استخراج ما لا يريد الضيف أن يتحدث عنه أو يدلو به بإلحاح شديد وإصرار أشد أسست لمدرسة الإحراج حتى باتت اليوم السمة الطاغية على غالبية برامج الحوار، لا سيما تلك التي تجهز خصيصاً لشهر رمضان. ليس هذا فقط، بل أن الاستعانة بمذيعين، أو صحافيين تتوافر لديهم القدرة على استفزاز الضيف والإصرار على الخوض في كل ما يمكن تصنيفه تحت بند «المثير للحرج»، سواء على الصعيد الشخصي أو المهني، أصبحت إحدى الأوراق الرابحة التي تضمن نجاح البرنامج. وربما هذا ما يفسر سر بزوغ عدد هائل من البرامج التي تعد مشاهديها بحوارات تعدّ سابقة في الجرأة، ولا ينافسها أحد في الخوض في أدق التفاصيل الشخصية، من دون الخضوع لمقص الرقيب أو للمعايير والمقاييس المعتادة لما ينبغي أن يقال وما يجب أن يحجب. فمن برنامج «الجريئة» إلى «بدون رقابة» إلى «الزعل ممنوع» و «حوار صريح جداً» و «في الصميم» و «الضوء الأحمر» و «بلسان معارضيك» وسواها عشرات من الأسماء التي تعكس محتوى يعمد إما إلى تخطي الحدود الرقابية، أو الإفراط في الصراحة، أو كسر المحرمات التي عادة ما يرمز إليها باللون الأحمر. كما أن جانباً من الترويج لتلك البرامج يتم من خلال الإعلان عن المذيع الذي لا يعترف ب «الخطوط الحمر» أو المذيعة «الجريئة المستفزة الجميلة»، أو من خلال الدعاية للبرنامج كونه «الوحيد الذي لا ينحاز إلا للناس»، وهو ما يعني أنه يرفع سقف النقد الموجه للحكومة، أو أنه «الأول الذي يناقش قضايا الفساد ولا يدور حولها»، أو أنه «البرنامج الذي يخشاه الفنانون والفنانات لصراحته»، وهكذا. الطريف أن مثل تلك البرامج صارت تتخذ طابعاً رمضانياً، شأنها في ذلك شأن الفوازير والمسلسلات والأدعية. وبات معروفاً أن رياح الموسم تهبّ كل عام على المشاهد العربي وهي محمّلة بمقدار لا يستهان به من البرامج الجريئة، والمذيعين المستفزين، والمذيعات المتخطيات الخطوط الحمر. وبدأ المشاهد العربي يعتاد هذه السمة، فهو في إطار هرولته المسائية بين عشرات القنوات ومئات المسلسلات، يبحث بين الحين والآخر عن النجم الذي سيخضع للإحراج على السحور، أو المسؤول الذي سيواجه كل أنواع الاتهامات بين الوجبتين. لكن الطريف هو «الصرعة» الجديدة هذا العام التي يستضيف فيها المستفزون بعضهم بعضاً، فهذا مذيع معروف بقدرته الفذة على إحراج ضيوفه نجده ضيف المذيعة الجريئة التي تخصصت في استفزاز من يجلس أمامها، ليبدآ سوياً جولة طريفة من «مصارعة الديوك».