في 14 ايلول (سبتمبر) 1960 اجتمع وزراء نفط فنزويلا بيريز الفونسو والسعودية عبدالله الطريقي وإيران فؤاد روحاني ووزير التخطيط العراقي طلعت الشيباني ومعاون مدير المالية في الكويت أحمد سيد عُمر في بغداد بحضور ممثل قطري مراقب ليوقعوا وثيقة تأسيس منظمة الدول المصدرة للنفط. كانت خطوة بمثابة انتفاضة على الشركات النفطية العملاقة التي استفادت طويلاً من سيطرتها على موارد هذه الدول وأرادت بين 1959 و1960 خفض عائدات الدول النفطية من دون استشارة الحكومات. فتأسست منظمة «أوبك» وكان للوزير السعودي الطريقي ونظيره الفنزويلي بريز ألفونسو دور أساسي في إنشاء هذه المنظمة التي تحتفل هذا الشهر بمرور نصف قرن على تأسيسها. فانتفاضة الدول المنتجة للنفط ضد الشركات العملاقة التي كانت تستفيد من موارد هذه الدول على حساب الشعوب التي حُرِمت طويلاً من عائدات كانت من حقها الشرعي أثارت موجة من ردود الفعل العالمية. وحتى اليوم وقد تغيّر العالم ما زالت بعض الأوساط الغربية تنظر الى «أوبك» نظرة سلبية وتنعت المنظمة بأنها «كارتيل» يحتكر الانتاج والأسعار للإساءة الى العالم. إلا أن واقع الحال أن «اوبك» أصبحت الآن منظمة تضم 12 دولة منها من انتسب لعضويتها مؤخراً مثل أنغولا والأكوادور التي كانت خرجت منها وعادت إليها لأهمية الاستفادة من عضويتها. ولا شك في أن خلال نصف القرن الماضي تغيّرت المنظمة وأصبحت تحظى باهتمام كبير من كل المتعاملين في الأسواق من شركات أو مستثمرين أوحكومات. وذلك يظهر في مؤتمراتها العديدة التي تعقد في فيينا أو في الدول الأعضاء، حيث حضور المستثمرين وممثلي الشركات والمؤسسات المالية في بهو الفنادق التي تستضيف الوفود ملاحظ بكثافة، وكذلك الحشود الإعلامية، ومواكبتها وزير النفط السعودي علي النعيمي (وهو وزير أكبر دولة نفطية في المنظمة) في رياضة السير الصباحية في محاولة من الصحافيين للحصول على أي إشارة تفيد الأسواق. فإذا قال النعيمي ان السوق مستقرة يسرع ممثلو وكالات الانباء الى الهاتف لنقل ذلك. وإذا قال إن هناك تجاوزات في الانتاج فعلوا الشيء نفسه، واذا كان صامتاً يقلق الإعلام وتكثر التكهنات «أن ربما هناك خلاف أو مشكلة». ف «أوبك» فرضت نفسها على العالم وعلى الأسواق النفطية. ومنذ حوالى عشر سنوات أظهرت قدرة كبيرة على تجاوز الخلافات السياسية داخلها. وعلى رغم حربين بين أعضائها، الأولى حرب الخليج بين إيران والعراق ثم اجتياح العراق للكويت والآن العقوبات العالمية على إيران والحرب الأميركية على العراق والانسحاب الأميركي من العراق، استطاعت «اوبك» أن تحمي مواردها وعائداتها من ثرواتها الطبيعية وان تحافظ على استقرار الأسواق بفضل السعودية، أكبر منتج للنفط في المنظمة. فلولا تعقل بعض الوزراء فيها وعملهم الدائم على تحييد المنظمة عن الخلافات السياسية لما تمكنت من تجاوز الأزمات وحماية عائداتها. وفي طليعة هذه المجموعة من الوزراء الذين نجحوا في تحييد المنظمة عن الأزمات علي النعيمي ونائب رئيس الحكومة القطري عبدالله العطية وكلاهما يتولى منذ زمن طويل المسؤولية في قطاع النفط في بلده. وواقع الحال أن مؤتمرات «اوبك» كانت تستغرق في الثمانينات والتسعينات أسابيع من المفاوضات والخلافات السياسية بين أعضائها. ومنذ حوالى عقد تغيرت الأمور وأصبحت الاجتماعات تستغرق يوماً لا أكثر والقرارات تؤخذ كما في مجلس إدارة شركة عملاقة، من دون الخوض في السياسة، وهذا أدى الى نجاح المنظمة في فرض نفسها لحماية مصالح الدول الأعضاء وعائداتها والحفاظ على استقرار النفط ومستقبله على الساحة العالمية.