شهدت الأوضاع الأمنية في دارفور تطورات متسارعة أمس، إذ خطف مجهولون ثلاثة طيارين روسيين قبل ساعات من إطلاق سراح موظفة إغاثة أميركية خطفت قبل ثلاثة شهور. وكشفت البعثة المشتركة للأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي في الإقليم «يوناميد» محاولة لاقتحام قاعدتين لها. وأعلنت «يوناميد» في بيان أن مهاجمين مجهولين حاولوا اقتحام قاعدتين في كل من منطقتي مليط وكتم في ولاية شمال دارفور، إلا أنهم فروا عند انطلاق صافرات الإنذار، ما دعاها إلى رفع درجة تأهبها الأمني في قواعدها كافة. وأعلنت السلطات السودانية أمس الإفراج عن عاملة إغاثة أميركية خطفت قبل نحو ثلاثة شهور في دارفور بواسطة مجهولين قالوا إنهم أطلقوها وسلموها إلى سلطات جنوب دارفور من دون أن يحصلوا على فدية. وذكرت منظمة «ساماريتان بيرس» الإنسانية التي كانت تعمل فيها المخطوفة، أن الأميركية التي لم يعلن اسمها اختطفت على مشارف مدينة نيالا عاصمة جنوب دارفور في منتصف أيار (مايو) الماضي. وقال الناطق باسم الخارجية السودانية معاوية عثمان للصحافيين إنها «أطلقت عبر مفاوضات مع الخاطفين»، مؤكداً أنه «لم يتم دفع أي فدية». وأشار إلى أنها في صحة جيدة، وهي في مقر حاكم الولاية في نيالا وستصل إلى الخرطوم في وقت لاحق. وقال: «كان هناك اتفاق مع الجانب الأميركي منذ البداية على ألا تتم أي عملية أمنية لإطلاق سراحها حفاظاً على سلامتها». وكانت الأميركية مختطفة في منطقة أبو عجورة قرب مدينة نيالا عاصمة الولاية، وهي المنطقة التي شهدت اختطاف ثلاثة من الطيارين الروس أول من أمس. وقال الناطق باسم الجيش السوداني المقدم خالد سعد الصوارمي أمس إن الطيارين الروس الذين يعملون في شركة خاصة خطفوا في مدينة نيالا، مؤكداً أن «مجموعات من قواتنا تطوق المناطق المشتبه بها في محاولة للعثور على الجناة والمخطوفين». وأعلن مبعوث الرئيس الروسي لشؤون السودان ميخائيل مارغيلوف أن عملية خطف الطيارين الروس في السودان جرت ليل الأحد - الاثنين على بعد 50 متراً من الفيلا التي يستأجرونها ويقيمون فيها. وأضاف أن الحادثة وقعت في مدينة نيالا أثناء عودة الطاقم الروسي من المطار إلى الفيلا على متن حافلة صغيرة قامت باعتراضها مجموعة من المسلحين وأرغمت الثلاثة على النزول واقتادتهم تحت تهديد السلاح إلى جهة مجهولة. وأعرب عن قلقه إزاء عجز السلطات السودانية عن تأمين الحماية اللازمة للمواطنين الروس العاملين في السودان، مشيراً إلى أن السلطات لا تسيطر على الأوضاع في دارفور. وأضاف أن حادثة الاختطاف «تثير القلق والغضب... ويجب تذكير السلطات في السودان بأن عجزها عن تأمين الحماية اللازمة للمواطنين الأجانب على أراضيها ليس إلا إثباتاً للمجتمع الدولي على تراجع نفوذ السلطات المركزية». ورأى أن الوضع يثير القلق على رغم الرد السريع للقوات المسلحة السودانية على عملية اختطاف الطيارين الروس وشروعها في البحث عنهم، مؤكداً أن دارفور تفتقر الى الأمن والاستقرار. والطيارون المخطوفون يعملون في شركة بدر للطيران، إحدى شركات الطيران الخاصة التي تعمل في نقل الركاب والبضائع بين ولايات السودان. وتعرضت مروحية تابعة لشركة الطيران الروسية UTair للخطف في إقليم دارفور في وقت سابق، قبل أن يفرج عنها لاحقاً وتعود إلى قاعدتها. وهذه ثاني عملية خطف لأجانب في دارفور في أقل من 15 يوماً. وكانت مجموعة مسلحة أفرجت في وقت سابق عن ضابطين أردنيين من الأمن العام مشاركين ضمن قوات الأممالمتحدة كانا اختطفا في 14 آب (أغسطس) الجاري. وفي أواخر الشهر الماضي، أطلق سراح ألمانيين يعملان في الإغاثة بعد 35 يوماً من خطفهما في ولاية شمال دارفور. رفض «ترحيل» الجنوبيين من جهة أخرى، رفض البرلمان السوداني خطة أعلنتها حكومة إقليمالجنوب الذي يتمتع بحكم ذاتي لإعادة 1.5 مليون من أبناء الجنوب المقيمين في شمال البلاد إلى جنوبها قبل الاستفتاء على تقرير المصير المقرر في التاسع من كانون الثاني (يناير) المقبل، فيما أعلنت 700 من منظمات المجتمع المدني السوداني تشكيل تحالف تحت مسمى «قوس قزح» لإكمال الاستفتاء «بحرية ونزاهة وشفافية والعمل على عدم التأثير على المواطن الجنوبي». ووصف رئيس البرلمان أحمد إبراهيم الطاهر في تصريح محاولة «ترحيل» الجنوبيين المقيمين في الولايات الشمالية بأنه «أمر خارج نص قانون الاستفتاء المتفق عليه» بين طرفي اتفاق السلام «حزب المؤتمر الوطني» و «الحركة الشعبية لتحرير السودان»، مؤكداً أنه «لا توجد لائحة في قانون الاستفتاء تشير إلى نقل أو إجراء تحويل لأماكن سكن الجنوبيين المقيمين في الشمال إلى الجنوب كي يصوتوا في الاستفتاء، وأي محاولة من الحركة الشعبية لترحيل الجنوبيين تعتبر عرقلة وتضييقاً على الجنوبيين». ورأى أن «الحركة الشعبية تريد السيطرة على الجنوبيين كافة في الشمال، في إشارة واضحة إلى تقويض وعرقلة الاستفتاء بصورة غير نزيهة بتجاوز واضح لقانون الاستفتاء»، داعياً الجنوبيين الموجودين في الولايات الشمالية كافة إلى «التصويت في أماكنهم التي يقيمون فيها والتعرف جيداً الى لائحة نص قانون الاستفتاء الذي يضمن لهم حرية التصويت من دون القبول بأي إملاءات خارجية ومعرفة حجم التعقيدات التي تلازم عملية نقلهم إلى الجنوب». وكانت الحكومة أعلنت خطة لإعادة مليون ونصف مليون من الجنوبيين الذين يعيشون حالياً في مصر أو في شمال السودان إلى الجنوب. وتستهدف الخطة إعادة اللاجئين الذين فروا إلى الشمال خلال سنوات الحرب الأهلية قبل موعد الاستفتاء على تقرير مصير الجنوب، وتقدر كلفة الخطة التي تتم تحت شعار «عد إلى وطنك لتختار» بنحو 25 مليون دولار. إلى ذلك، أعلنت 700 من منظمات المجتمع المدني السوداني تشكيل تحالف لضمان إتمام الاستفتاء «بحرية ونزاهة وشفافية والعمل على عدم التأثير على المواطن الجنوبي». وقال رئيس التحالف محمد شنقر السماني في مؤتمر صحافي إن «مبادرة المجتمع المدني استدعتها الضرورة والمرحلة الحرجة التي تمر بها البلاد، والعمل بأسس أهمها الشفافية والنزاهة وضرورة تبصير أهل الجنوب السودان بحقوقهم وتفعيل المشاركة الشعبية وتهيئة الأجواء لقبول نتائج الاستفتاء». وأكد أن «الاستفتاء يمثل قضية استراتيجية وقومية تتطلب التوعية والتعريف بأهمية السيادة وتعزيز أسس السلام الذي أقره اتفاق السلام الشامل»، مشيراً إلى «ضرورة التزام الدولة بتوفير التمويل اللازم للتوعية والتثقيف والرقابة». في السياق ذاته، حمل «المؤتمر الوطني» في شدة على الأحزاب التي قاطعت اللقاء التشاوري الذي دعا إليه الرئيس عمر البشير الأسبوع الماضي، معتبراً أنها «تعاني مشكلة عدم الصدقية السياسية تجاه الوضع الراهن»، واتهمها بالسعي إلى «إجهاض ما تبقى من اتفاق السلام وتحريض الجنوبيين على الانفصال». وقال مسؤول المنظمات في «المؤتمر الوطني» قطبي المهدي إن «الحزب الشيوعي» و «حزب المؤتمر الشعبي» بزعامة الدكتور حسن الترابي، يحاولان «تمرير أجندة خاصة من خلال إضافة مكاسب حزبية ومحاولة إضعاف دور الحزب الحاكم الداعم لوحدة السودان والاستقواء بالحركة الشعبية لإرباك وزعزعة القضايا المصيرية، وتحريض الحركة على دعم خيار الانفصال لخلق مزيد من الفتور بين شريكي الحكم لنسف ما تبقى من اتفاق السلام الشامل».