«قرانقشوه يوه ناس اعطونا شوية حلواه»... بهذه الكلمات الشعبية تطوف مجموعات من الأطفال العمانيين الحارات من بيت إلى آخر، لحضّ أصحاب البيوت إلى منحهم الحلوى والنقود، داعين بالخير لمن يعطيهم، ومنذرين مانعيهم بالشر، وأن تكون صينية أمام بيت من يعطيهم، وجنّية أمام البيت الذي يحرمهم من الأعطية في يوم جميل يسمى محلياً (وخليجياً أيضاً) ب «القرانقشوه»، وهي ليلة منتصف شهر رمضان. هذه العادة الرمضانية لم تندثر من المدن والقرى العمانية ، ويجد الأطفال سعادة كبيرة في التنقل من منزل إلى آخر ويشاركهم الأهالي الفرحة. تبدأ جولات الأطفال بعد صلاة المغرب مباشرة وتستمر الى ما بعد صلاة التراويح. وفي آخرها يجلسون لاقتسام حصيلة يوم رمضاني جميل حيث الحلويات بأنواعها وتباينها (بين بيوت أغنياء وفقراء) والنقود بما يكفي لشراء ألعاب جديدة للعيد. لم تكن «القرانقشوه» معروفة في كل أنحاء السلطنة قديماً، إذ تسمى في بعض المناطق ب «ليلة العقبة»، وتعني أعلى مكان في مستوى الطريق الجبلي قبل الهبوط مرة أخرى إلى الناحية الأخرى من المكان المرتفع، أي أن ليلة منتصف شهر رمضان هي القمة الأخيرة في هرم الشهر نظراً إلى صعوبة الصوم في الأجواء الحارة وخلو الحياة من مفردات العصر الحالية كالكهرباء والوظائف المكتبية. وقبل عقود كان العمانيون يحتفلون بهذه الليلة بشراء الحلوى (العمانية) الشهيرة كأنهم يصنعون من مرور نصف الشهر احتفالية تستحق تناول الحلوى في زمن لم تكن فيه حلويات العصر الراهن حاضرة على مائدة البيت العماني. ووسط الزحام على المائدة تراجعت الحلوى العمانية لمصلحة انواع اخرى قادمة من شرق الأرض ومغربها، وبقي الحدث في قلوب الأطفال يحتفون به كمناسبة لجمع الحلويات والنقود . وتعمل مؤسسات رسمية وأهلية على الاحتفاء بمنتصف الشهر من خلال حفلات تقام خصيصاً للأطفال توزع فيها الهدايا وتقدم مشاهد مسرحية تتناول حركة الأطفال داخل الحارات وغنائهم المتوارث . ومن اللافت أن رمضان في عمان يأتي هادئاً، فلا يتغير شيء في نمط الحياة اليومية، كما يحدث في بلدان إسلامية أخرى ، وتبدو الجوامع والمساجد عامرة بالمصلين حتى تكاد تفيض بهم. ومع مرور الأيام، تتناقص الأعداد لتزداد كثافة البشر في الأسواق، خصوصاً في العشر الأواخر التي تشهد زحاماً كبيراً في المدن. وتنظم ولايات السلطنة أسواقاً تقليدية في الأسبوع الأخير من شهر رمضان تتنقل من ولاية إلى أخرى داخل المنطقة ذاتها، وتقام لبضع ساعات ليؤمها الآلاف وتعرض مختلف متطلبات العيد، بدءاً من لحوم الأضاحي (وغالبية ولايات عمان تذبح الأبقار والمواشي خلال عيد الفطر مثلما هو الحال في عيد الأضحى)، وصولاً إلى ألعاب الأطفال الصغيرة والتي تأتي غالبيتها من الصين . وتحتضن الأسواق أماكن مفتوحة، بعضها تحت أشجار النخيل وفي الساحات الكبيرة، تساق إليها الجمال والأبقار والأغنام وتعرض في مزاد علني، ويتجول الدلالون للحصول على فرصتهم أيضاً.