لا أعرف القصيبي – رحمه الله – معرفة شخصية، ولم يسبق لي اللقاء به ولا مراسلته، أنا فقط مثل كثيرين غيري، كنت ولا زلت من قراء نتاجه الفكري والأدبي، وقد أحببت فيه الصراحة والوضوح. أكتب هذا الكلام حتى لا تظن – ياعزيزي القارئ – بأنني ممن يدعون العلاقة بالمشاهير من الأموات، فأنت إن صدق ظني تشعر بالغثيان من دجل المتمسحين بالموتى، وأنا مثلك تماماً، لا أكره شيئاً مثل كرهي لنفاق أدعياء الثقافة ودجلهم الباهت الذي لا ينطلي إلا على السذج. وفاة القصيبي فرصة عظيمة لمن لم يحققوا في حياتهم شيئاً ذا بال، ولمن يفتقدون الثقة في أنفسهم، إنها فرصة سانحة لكل أدعياء الأدب والوجاهة، ليتحدثوا عن ذكرياتهم مع الراحل، ولو عاد الرجل إلى الحياة، لأخرس كثيراً من ألسنتهم، لكن الميت انقطع من الدنيا واتصل بالآخرة، فمستحيل أن ينفي علاقته بهذا أو يقر بمعرفته لذاك. حتى «مطاوعتنا» الذين تعاركوا مع القصيبي على رؤوس الأشهاد سنين طويلة، وكانوا ينعتونه بكل وصف مؤذٍ، ويتهمونه في أمانته ودينه، أقول حتى هؤلاء «المطاوعة» ركبوا الموجة وأصبحوا فجأة من أحباء الراحل وخاصته، ولا أدري – والله – كيف يفكر هؤلاء؟ أيظنون أن الناس لا يفقهون شيئاً؟ أم يغلبهم حب الشهرة، فيتصرفون كالفراشات باحثين عن الأضواء حتى لو أحرقتهم؟ شيء «مقرف» ومقزز جداً، أن تقرأ أو تستمع لمن يحاول أن يمجد نفسه عن طريق افتعال مواقف مع أحد الموتى الناجحين. [email protected]