دخلت التكنلوجيا في الصناعات كافة، حتى أن أجهزة الحاسوب تقوم بأعمال التصميم والتنفيذ بدقة عالية، إلا أن الحاج الحرفي عايش الدجاني البالغ من العمر 70 عاماً، لا يزال يتمتع بالنشاط والحيوية ويعمل بأريحية فيصوغ المجوهرات والخناجر بفن متناهي الدقة وإبداع، جعلته أحد أبرز صانعي الحلي في الخليج. فمنذ ال10 من عمره يراقب والده الصائغ المعروف الحاج محمد الدجاني، حتى أتقن مهنته وأبدع فيها أيما إبداع، فصار يشار إليه بالبنان، هرب من المهنة إلى غيرها مرات عدة حيث لقمة العيش، لكنه لم يستغن عنها أبداً حتى استقر في محله في سوق الذهب في مدينة الهفوف في الأحساء إلى اليوم بعد أن ورّثها لأبنائه الجامعيين الذين يساعدونه بعد الدراسة اليومية وفي الإجازات المدرسية، وهم فخورين بذلك. عايش الدجاني الذي سرد قصة حياته وتجربته في صياغة المجوهرات أخيراً في سبتية إضاءات التي يعقدها عضو المجلس البلدي السابق في الأحساء علي السلطان، لنشر ثقافة الحرف الأحسائية ولتشجيع الحرفيين وتسليط الضوء عليهم وعلى حرفهم، ودعماً منه لملف الأحساء ضمن شبكة المدن المبدعة التابعة ل«اليونسكو»، بحضور مستشار أمين الأحساء ومسؤول ملف الأحساء في شبكة المدن المبدعة المهندس أحمد المطر ورجال الأعمال والمهتمين والحرفيين. وأصبح عايش الدجاني صديق الخناجر والمرتعشات، وأنتج أفضل تصاميم قلائد الذهب، ويعتبره أصحاب المحال والمجوهرات والمهتمين، أنه من المبدعين الحرفيين الذين أتقنوا الحرفة تماماً، فطور الأدوات المستخدمة بل واستخدم معدات كهربائية مكلفة لتطوير المهنة، وتسهيلها مثل جهاز تلميع القطعة بعد طلائها بالفضة، وجهاز الألتراسونك لتنظيف القطعة بعد تلميعها وجهاز البخار الخاص لتنظيف القطعة بعد الصياغة، وجهاز قطع الأحجار الكريمة، وجهاز طلي الذهب، وجهاز سحب الذهب وصقله. ويشير الدجاني إلى أنه يجيد كل أنواع صياغة الذهب والمجوهرات والأحجار الكريمة والخواتم وإصلاحها، كما عمل على تطعيم عصي المشي بالأحجار الكريمة والفضة ولاقت رواجاً من أهالي الخليج، وقام بأعمال كثيرة مثل: تشكيل وطلاء وتطعيم سيوف وخناجر لبعض الأمراء والمسؤولين، كما أجاد عمل الحلي التي تلبسها النساء مثل المرتعشات، والمعريات، وقصيص السعد، والتراشي البغدادية والمعاضد النجارية، والبناجر، وحب الهيل، وحب القرع، والشيميلات، والحريات، والسبحات، والمريات، ونجوم الليل، والماسيات، والكفوف، وأعمال أخرى كثيرة. الحاج عايش يعتبر بمثابة حرفيين في حرفي واحد، لا يرفض أي عمل يأتيه ويتقنه مباشرة حتى لو لم يعمله من قبل، ومن ضمن إبداعاته أنه يصنع لنفسه الأدوات اللازمة للحرفة، إذ لا توجد هذه الأدوات من قبل لكنه يرى الحاجة لمثلها لتسهيل عمله. من جانبه، أوضح مستشار أمين الأحساء منسق الأحساء في شبكة المدن المبدعة التابعة لل«يونيسكو» المهندس أحمد المطر، خلال اللقاء أن الدول الأعضاء في الشبكة هي التي توازن بين التقدم التكنولوجي والحفاظ على الهوية والتراث والوجه الحضاري المشرق لهذه الشعوب في تلك الدول، مبيناً أن كثيراً من الدول في الشبكة البالغ عددها 116 مدينة يمثلون 54 دولة، تعمل على توثيق التراث وتشجيع جميع المبدعين، مطالباً ضرورة إبراز الإنتاج المحلي التراثي الذي بدأ في الضياع والاندثار. معتبراً عايش الدجاني الآن من الصاغة النادرين والقلائل الموجودين في صناعة هذه الحرفة في الأحساء مطالباً الجهات المختصة بضرورة استقطاب مثل هؤلاء الحرفيين مهما كانت أعمارهم، وتوفير كل متطلباتهم ومستلزماتهم بهدف نقل التجربة إلى الأجيال المقبلة، وتعليم الأجيال الجديدة فن الصنعة بما يضمن استمرارية هذا الموروث، للوصول إلى نشر الاهتمام بالمنتج المحلي أسوة بالمنتجات اليدوية في الخارج، والتي تباع بأغلى الأسعار، كون هذا المنتج يمثل قيمة وإبداع إنسان، ويمثل امتداداً لحضارة عريقة وماضٍ جميل.