يغلي المشهد المسرحي السوداني هذه الأيام بالأحداث المثيرة. فبعد أيام قليلة على سجال متصل حول «اتحاد الفنون الدرامية» والمناداة بحلِّه وسحب الثقة من رئيسه، تفاقمت الخلافات وسط موظفي «المسرح القومي» حول المشاركة في مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي والمقرر عقده في تشرين الأول (أكتوبر) المقبل، وذلك عقب صدور قرار من لجنة تحكيمية كوّنها مدير المسرح، مفاده ان العروض التي قدمت للمشاركة في المهرجان المصري «غير موفقة»! وهي نتيجة، على ما يبدو، لم تكن متوقّعة من مخرجي تلك العروض، وكلهم من أعضاء «الفرقة القومية للتمثيل» وهي الفرقة الرسمية، خصوصاً أن اللجنة لم تعاين عروضهم، لكنهم عبّروا بطريقة أخرى في الطعن الذي رفعوه إلى مدير المسرح، اذ اشتكوا من «ضعف حيثيات القرار وليس من موضوعيتها»! لم يرفض مدير المسرح قرار اللجنة، المكونة في معظمها من أساتذة متخصّصين يدرسون في كلية الدراما، لكنه لم يحسم الأمر نهائياً وأبقاه معلقاً. اذ طلب من المخرجين، بعد تسلّمه عريضة طعنهم، التشاور في ما بينهم لحل المشكلة حتى «لا تضيع فرصة السودان في المشاركة بالمهرجان»! ولكن الوقت يمضي وإدارة المهرجان المصري لا يمكن ان تصبر أكثر، وثلة المخرجين عاجزة عن فعل شيء مع استبعاد امكانية اعادة النظر في العروض بلجنة أخرى. فكل ما يمكنهم فعله ان يتفقوا على عمل واحد، من الاعمال ذاتها التي قررت اللجنة انها «غير موفقة» أو اي عمل آخر للفرقة. ولكن يبدو ان الخلافات بين المخرجين كبيرة، اذ لم يصلوا إلى نتيجة بعد، وراجت في الأثناء تكهنات تفيد بأن المدير ربما اختار فرقة ولائية حلاً للمشكلة. إلا ان بعض اعضاء الفرقة القومية يرى ان ذلك لو حصل سيعقّد المشكلة أكثر، بين الفرقة والمدير هذه المرة. وأكد البعض ان الفرصة تخصّ فرقته ب «القانون ولوائحه» ولا يمكن منحها لفرقة مستقلة سواء من الولايات أو من الخرطوم، خصوصاً ان ثمة مشاركة سنوية في المهرجان نفسه للفرق المستقلة! أين اتحاد الفنون الدرامية؟ وفي موازاة هذا المشهد الخلافي داخل مؤسسة المسرح الرسمية، تتهيأ الساحة المسرحية السودانية لفصل جديد من الصراع حول اتحادها (اتحاد الفنون الدرامية) عقب عطلة رمضان، قبيل عقد جمعية عمومية تبدو استثنائية بكل معنى الكلمة. اذ تأتي بعد سجال حاد في صحف الخرطوم، منذ نيسان (ابريل) الماضي حتى الآن، بين رئيس الاتحاد الممثل علي مهدي ومجموعة من المسرحيين، بينهم الممثل محمد شريف علي والممثلة تهاني الباشا والناقد السر السيد. وكانت مجموعة المسرحيين نادت بحلّ الاتحاد وسحب الثقة من رئيسه ونظمت حملة توقيعات لهذا الغرض وسط المسرحيين وقّع عليها عشرة من 12 يتكون منهم المكتب التنفيذي للاتحاد ذاته، وأعقبت خطوتها هذه برفع مذكرة لمسجل الجمعيات الثقافية دعته خلالها إلى تجريد الاتحاد القديم من شرعيته. فهو منذ تأسيسه، قبل خمس سنوات، لم يدعُ إلى جمعيةٍ عموميةٍ في موعدها المحدد في النظام الأساسي، كما أنه لم يحقق الأهداف التي قام من أجلها. وساقت المجموعة جملة من الأسباب الاخرى لتعزيز دعوتها، بينها ان الاتحاد لم يرع مهن الفنون الدرامية ولم يدافع عنها طيلة عمره، اذ لم يتخذ أي موقف من أية قضية تخصّ المجال أو المشتغلين به، ولم يصدر بياناً أو منشوراً في أية مناسبة، علاوة على انه لم ينظم أي نشاط مسرحي! وحملت المجموعة بشدّة على رئيس الاتحاد، الذي تصفه ب «الرئيس الاسبق والسابق والحالي» وحملته المسؤولية في ضعف كيانها. وقال الممثل محمد شريف علي في هذا السياق: «علي مهدي تولى رئاسة اتحاد الدراميين لمدة 20 سنة ولم يفعل أي شيء... لذلك نرى أنه غير جدير برئاسة اتحاد الدراميين». أما مهدي فشدد على شرعية الاتحاد ورئاسته له، مستنداً إلى قانون صدر في العام 1996 ينص على عقد الجمعية العمومية بعد خمس سنوات، وحدد على ضوء هذا القانون موعداً لجمعيته مطلع تموز (يوليو) الماضي. إلا ان مسجل الجمعيات الثقافية دخل على الخط وطلب تأجيلها إلى حين الفصل في الطعن المقدم من جانب مجموعة المسرحيين التي يقودها محمد شريف علي. وأخيراً، قرر مكتب المسجل، بتوصية من وزير الثقافة، تكوين لجنة تسييرية، تضم ممثلين لطرفي الخلاف، مهمتها جمع اشتراكات الاعضاء والتمهيد لعقد الجمعية وتكوين الاتحاد الجديد، عقب عطلة العيد. وعلى رغم ان هذا القرار وجد قبولاً وسط غالبية مجموعة محمد شريف علي، إلا ان بعضهم رفضه ورأى فيه محاولة ل «إرضاء الطرفين» وليس عملاً بالقانون.