وضع النظام الأساسي للمملكة الأسس والقواعد المحددة سلفاً للخطاب السياسي الخارجي التي لا يمكن لتلك السياسة أن تحيد عنها، فكانت بمثابة أركان ومرتكزات فاعلة ومؤثرة، على الصعيدين الإقليمي والدولي. فالمادة الأولى من النظام الأساسي نصّت على أن المملكة «دولة عربية إسلامية»، وأكدت المادة ال25 حرص الدولة على تحقيق آمال الأمة العربية والإسلامية في التضامن وتوحيد الكلمة، وعلى تقوية علاقتها بمختلف الدول. فيما أوضحت المادة ال7 أن الحكم في البلاد يستمد سلطته من كتاب الله تعالى وسُنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وهما الحاكمان على هذا النظام وجميع أنظمة الدولة. وأكدت المادة ال23 أن الدولة تحمي عقيدة الإسلام وتطبق شريعته وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر وتقوم بواجب الدعوة إلى الله. ويؤكد الكاتب العراقي صلاح النصراوي أن تلك المبادئ العامة تجسدت في المواقف والسياسات الخارجية التي اتخذتها المملكة منذ نشأتها، قائلاً: «مع تعقد وتشابك النظامين الإقليمي والدولي وظهور كيانات دولية جديدة، بدأت تتشكل للسياسة الخارجية السعودية ثلاث دوائر رئيسة، هي: دائرة العالم العربي، ثم دائرة العالم الإسلامي، ثم الدائرة العالمية، والتزمت المملكة في علاقاتها وتحركاتها ومواقفها بتلك الأسس والقواعد التي لا تحيد عنها مهما اختلفت الظروف والأحوال، والتي انعكست على مفردات وطبيعة الخطاب السياسي الخارجي لها». وفي سبيل تحقيق التضامن الإسلامي، سعت المملكة وبادرت مع الدول الإسلامية إلى إقامة منظومة من المؤسسات الإسلامية الحكومية وغير الحكومية، منها رابطة العالم الإسلامي في 1962، ومنظمة المؤتمر الإسلامي في 1969، واحتضنت المملكة مقريهما. وبعد أن فرغ الملك عبدالعزيز - يرحمه الله - من توحيد المملكة شرع في دعم مكانتها على صعيد العلاقات الدولية، فأرسل المبعوثين واستقبل الوفود من الدول الأخرى، وأبرم الاتفاقات وأسهم في تأسيس العديد من المنظمات الدولية، كالأمم المتحدة وجامعة الدول العربية. يقول النصراوي في مقدمة دراسة بعنوان: «استراتيجيات الإقناع السياسي قراءة تحليلية لخطاب الأمير سعود الفيصل» للباحث السعودي الدكتور مطلق المطيري إن الملك عبدالعزيز أنشأ في 1926 المديرية العامة للشؤون الخارجية بمكة المكرمة، ثم صدر الأمر بإنشاء وزارة الخارجية (أول وزارة بالمملكة)، ونص الأمر على تعيين الأمير فيصل بن عبدالعزيز وزيراً لها، بهدف تعزيز الحضور الإقليمي والدولي للمملكة، استناداً إلى مبادئ الاحترام المتبادل للدول، وعدم التدخل في شؤون الغير، وغيرها من المقومات والمبادئ التي دأبت المملكة بطبيعتها ومقوماتها المستمدة من عقيدتها الإسلامية السمحة على ترسيخها. يقول الباحث المطيري: «في عصر تتنوع فيه المصالح والاهتمامات والأهداف الأمنية والسياسية والاقتصادية والبيئية سعت الديبلوماسية السعودية إلى إدارة العلاقات الثنائية، بخاصة الاستراتيجية منها، مع قوى كبرى كالولايات المتحدة الأميركية ودول الاتحاد الأوروبي وروسيا والصين، مثلما انشغلت بقضايا إقليمية ودولية أخرى لا تقل أهمية عن كل ما سبق، مثل مشكلات السوق النفطية وتحديات الاندماج في العولمة والشراكة الدولية، سواء الجوانب التجارية والاستثمارية منها أم الجوانب الثقافية والانشغالات الدولية بملفات مثل حقوق الإنسان والمرأة والجاليات الأجنبية، وكذلك قضايا أخرى مثل البيئة وأزمة المناخ العالمي واتجاهات توسيع حلف الأطلسي، وغيرها من الملفات التي يمثل التعامل معها جميعاً تحدياً لأية ديبلوماسية في العالم، ومنها الديبلوماسية السعودية». فيما أشار أستاذ الصحافة في كلية الإعلام جامعة القاهرة الدكتور محمود خليل إلى أن المحلل للخطاب الديبلوماسي السعودي يستوقفه عدد من الملامح الأساسية التي تحكم آليات إنتاجه وتمنحه درجة عالية من التميز وسط الخطابات الأخرى الشبيهة. فالخطاب هناك يتأسس على مجموعة من المنهجيات الأساسية التي تشكل منصات انطلاق لأطروحاتها، تتمثل في منهجية البحث في الأسباب قبل التداعيات عند تناول المشكلات السياسية ومنهجية الفكر الاستباقي في التعامل مع المشكلات، ومنهجية تفعيل آليات الديبلوماسية الشعبية. وشدد خليل على أن المحلل «يتوقف أمام اللغة التي يعتمد عليها هذا الخطاب، وهي لغة ترتكز على بنية دلالية واضحة المعالم، تتعانق فيها المفردات مع المعاني، ويتناغم فيها الشكل مع المضمون. والبنية اللغوية التي تتشكل حول سلسلة من الحقول الدلالية المتنوعة والمتعددة بصورة تعكس درجة ثراء الخطاب، وهناك ثلاثة حقول أساسية تتحلق حولها العديد من مواضيع الخطاب وتؤسس لبنية اللغة المعبرة عنها، تتمثل في حقل لغة المصالح المشتركة، وحقل لغة الاستقطاب، وحقل اللغة الوسطية».