قد يُحدث مسلسل تلفزيوني ضجة أو يثير نقاشاً أو يتدخل القضاء للفصل في نزاع نشأ بسببه. لكن لا يمكن تصور اختفاء تنظيم بحجم جماعة «الإخوان المسلمين» وتاريخها، أو اندثاره أو التأثير على حضوره في المسرح السياسي المصري خصوصاً والعالمي عموماً، بسبب مسلسل تلفزيوني. تعرض الفضائيات العربية، وكذلك التلفزيون المصري خلال شهر رمضان، مسلسل «الجماعة» الذي تدور أحداثه حول تاريخ جماعة «الإخوان المسلمين»، حتى قبل أن يؤسسها الشيخ حسن البنا عام 1928 في مدينة الإسماعيلية. ويتابع المصريون بالتوازي مع حلقات المسلسل فاصلاً آخر من الجدل بين «الإخوان» ومؤلف المسلسل الكاتب وحيد حامد حول الهدف من إنتاج المسلسل، ومدى دقة المعلومات الواردة فيه والجمل التي ينطق بها أبطاله، وإضافة إلى اعتراض أسرة البنا على ما اعتبرته تشويهاً لشخصية الرجل، وهو أمر وصل إلى القضاء للفصل بين أطراف النزاع فيه. إلا أن الأمر الذي لوحظ أن المسلسل فجره بشدة هو ذلك الهاجس الموجود بين «الإخوان» بأن عملاً درامياً تلفزيونياً قصد به التأثير في موقف الجماعة من الانتخابات البرلمانية المقررة في نهاية تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل، وأن الحكومة وقفت خلف إنتاج المسلسل للإساءة إليهم وضرب الجماعة وإبعاد الناس عنها، وتخويف جموع الناخبين من منح أصواتهم لمرشحيها في الانتخابات البرلمانية. بالطبع، لم يرد أحد في الحكومة على تلك الاتهامات، لكن حامد رد في تصريحات صحافية على هذا الكلام بكلام لم يقنع أحداً من «الإخوان»، اذ نفى بالطبع علاقة السلطة بالمسلسل، مؤكداً أنه يعرض رؤيته الخاصة. لكن المهم أن محللين سياسيين رأوا في المقابل أن المسلسل نجح في تحسين صورة «الإخوان» بين الأوساط الشعبية والمهمشين، وأن من لم يكن يدري شيئاً عن الجماعة عرف أنها جماعة دعوية في الأساس، وأنها ربما اضطرت إلى تسييس الدين دفاعاً عن الدين، وسعياً نحو تحقيق حياة أفضل للناس. بعض الذين كتبوا في الموضوع اتهموا الحكومة بأنها أرادت الإساءة إلى «الإخوان» فبيّضت وجوههم وأن الهدف الذي سعت إلى تحقيقه أرتد إلى صدرها، وأن الناس تعاطفوا مع حسن البنا ولم يصدقوا بعض المعلومات المسيئة ل «لإخوان» والواردة في المسلسل، وتبينوا أنها استهدفت تشويه الرجل وجماعته، لكنهم اعتبروها جواز مرور المسلسل إلى التلفزيون المصري. عموماً لا يمكن إغفال محاولات الطرفين استغلال المسلسل لتحقيق نصر سياسي، وهذا ليس عيباً فكل تنظيم سياسي يستغل كل الظروف المحيطة ليكسب ثقة الناس أو تعاطفهم أو تأييدهم. لكن الأهم أن المسلسل عكس فهماً خاطئاً ليس فقط لتاريخ «الإخوان» أو المعلومات الخاصة بنشاطهم السياسي، وإنما أيضاً للحد الأدنى من الرؤى عن أساليبهم في الحياة وطريقة تعاملهم مع بعضهم بعضاً، ومع الآخرين، وحتى أساليب نطق الكلام في اجتماعاتهم الرسمية أو جلساتهم الخاصة أو أثناء مشاركة رموزهم في المحافل السياسية، إلى درجة أن بعض المشاهد تحولت إلى مواقف مضحكة على رغم أن التأثير الدرامي المطلوب من ورائها ليس الإضحاك. لكن القريبين من الجماعة، وليس فقط أعضاؤها، رأوا في طريقة نطق الكلام وأساليب التعامل ما يخالف تماماً المعروف عن «الإخوان» الذين هم في النهاية بشر ولم يأتوا من كواكب أخرى. كما عكس المسلسل أيضاً صورة للجماعة لدى البعض مفادها أن «الإخوان» لا يمكن أن يمارسوا سلوكاً إلا إذا كان هدفه تحقيق مصلحة سياسية حتى لو شارك أحد رموزهم في جنازة أو حفلة عرس مجاملة لشخص من خارج الجماعة، فإن هدفهم سيكون شيئاً آخر غير أداء واجب التعزية أو التهنئة. في كل الأحوال يبقى المسلسل مثيراً للجدل، لكن لا يمكن الحكم عليه إلا بعد نهايته، غير أن الظروف السياسية التي تمر بها مصر وحال الترقب أو الهدوء الذي تسبق عاصفة الانتخابات البرلمانية ربما كان وراء هذا الجدل الذي أثاره المسلسل قبل أن ينتهي.