«بدأ اهتمامي بوسائل الاتصال، وبالسينما تحديداً، إبان حرب الخليج الثانية (1991)، وذلك انطلاقاً من كوني فتاة أميركية من أصل فلسطيني، أعيش في بلدة صغيرة في ولاية اوهايو. في ذلك الحين راح والدي، وهو طبيب في تلك البلدة، يفقد زبائنه واحداً بعد الآخر، لأن المرضى الأميركيين لم يعودوا راغبين في أن يداويهم طبيب عربي... بل إننا رحنا في ذلك الحين نتلقى تهديدات يومية بالقتل». هذا ما تقوله شيرين دعيبس عن فيلمها الروائي الطويل الأول «امريكا» الذي يعرض اليوم على شاشة تلفزيونية فرنسية بعدما لفّ على المهرجانات والصالات، وحقق ما حقق من نجاح بات راسخاً الآن. من ناحية مبدئية، كانت تلك هي التجربة التي أرادت شيرين دعيبس أن تعبّر عنها في فيلمها، ولكن من خلال حكاية تصبح معها حكاية الأب ومهنته الطبية حكاية جانبية. ومن هنا يبدو هذا الفيلم فيلم سيرة ذاتية وإنما في شكل محدود. ذلك أنه لا يعود يدور من حول الفتاة المراهقة التي صارت مخرجة وكاتبة سيناريو لتروي الحكاية بعد ذلك بنحو عقدين من السنين، وإنما من حول أنثى أخرى هي خالتها منى فرح، الفلسطينية المسيحية التي إذ اشتد الضغط السياسي والاجتماعي عليها في مدينة تعيش فيها في فلسطين (رام الله)، لا تجد أمامها إلا أن تهاجر إلى أميركا، مع ابنها المراهق، هرباً - من ناحية - من وضعها الخاص كمطلقة فضّل زوجها عليها امرأة أكثر جمالاً؛ وبحثاً - من ناحية أخرى - عن مستقبل ما لابنها، بعد أن كف هذا المستقبل عن أن يكون واضحاً في فلسطين الممزقة، معنوياً وجغرافياً. هكذا تأخذ منى ابنها وتهاجر إلى أميركا، حيث تقيم اختها وعائلة هذه الأخيرة، ورب العائلة، نبيل، الطبيب الذي يمكننا أن نكتشف بسهولة أنه مستعار في الفيلم من شخصية والد المخرجة في الحياة. ومن تلك اللحظة، ولأن منى وابنها وصلا الى أميركا في الوقت الخطأ (أي وقت بدء اندلاع المواقف العنصرية ضد العرب والمسلمين أوائل التسعينات من القرن العشرين) ولأنها - أي منى - وصلت خالية الوفاض معتمدة على بضعة دولارات كانت معها - لكنها ضاعت في المطار - وجدت نفسها غير مرحب بها. وهكذا، بين لحظات الأمل القليلة ولحظات القنوط الكثيرة، كان على منى أن تحارب، وأن تكذب، وأن تبكي، بل أن تجد نفسها مهددة بالعودة والطرد، وتجد ابنها مهدداً بالفساد.. كان لابد لهذه السيدة من أن تقاتل وفي شكل مزدوج بل مثلث، حتى تجد لنفسها مكاناً هي الفلسطينية، المنتمية إلى اللامكان.. لكنها من خلال العثور على هذا المكان ستوصل درساً الى الآخرين بمن فيهم ذلك الاستاذ اليهودي الذي سيكون الوحيد الذي يعينها حين تستبد بها الصعوبات في «وطنها» الجديد، فتسحبه الى عالمها ولو في شكل رمزي حافل بالمعاني. * «تي بي أس ستار»، 19.40 بتوقيت غرينتش.