يعيش مئات الشباب العرب والأفارقة في ظروف قاسية للغاية في العاصمة اليونانية أثينا وأنحاء أخرى من البلاد، وذلك في مبان مهجورة ينعدم فيها أي شرط من شروط الأمان أو الصحة العامة، بانتظار الفرصة المواتية للسفر الى دولة أوروبية أخرى. في مبنى مهجور وسط أثينا مؤلف من 7 طبقات وخال من المرافق الصحية والكهرباء والأثاث يعيش حوالى 650 شاباً من أصول أفريقية وعربية يعتمدون على الجمعيات الإنسانية في الطعام والعلاج. ويفترش المهاجرون الأرض في أحيان كثيرة، أما المحظوظون منهم فينامون فوق فرش تم تجميعها من الشوارع، فيما تنتشر القاذورات في المبنى الخالي من الماء إلا من مصدر واحد محاط بالأوساخ يستخدمه الشبان للشرب والاستحمام. ولا تشكل اليونان هدفاً أخيراً لهؤلاء الشبان ولا لغيرهم من الحالمين بأوروبا، لكنها المحطة التي لا بد من عبورها للوصول الى دول أكثر رفاهية وتقدماً، وأولها ألمانيا والبلدان الاسكندينافية. يقول أحمد وهو مهاجر من أصل مغربي إن رجال الشرطة دخلوا المبنى أكثر من مرة خلال الليل وأخرجوا كل اللاجئين منه، ثم أمروا كل واحد منهم بوضع يده على كتف الذي يسير أمامه والسير الى الخارج، وهناك اعتدوا بالضرب والإهانة على بعضهم، ثم أخذوهم الى مركز الشرطة القريب حيث احتجزوهم لمدة ثلاث ساعات قبل أن يفرج عنهم من جديد. وأضاف أحمد: «أصبح اللاجئون ألعوبة بيد الشرطة والسلطات التي تمنحهم أوراقاً تصلح لمدة شهر واحد فقط ثم عند انتهاء مدة الأوراق تحتجز من تلقي القبض عليه لمدة تصل الى ثلاثة أشهر». وأضاف: «قبل إطلاق سراحهم يمنحون أوراقاً جديدة لفترة مشابهة لتبدأ الدوامة من جديد ويعود المهاجرون الى حياة الخوف من الاعتقال والتواري عن الأنظار». وحول حياة المهاجرين قال شاب آخر فضل عدم ذكر اسمه إن المهاجرين في المبنى لا يستطيعون إيجاد أي عمل يقتاتون منه، ولا يستطيعون استقبال أموال من ذويهم بسبب الإقامة غير الشرعية ما أدى الى إصابتهم بالجوع والضعف والوهن، وبعضهم يضطر تحت وطأة الجوع أن يسرق ليسد جوعه، كما أن منظمات أهلية محلية تقدم لهم من حين الى آخر بعض وجبات من الطعام لكنهم لا يأكلون منها سوى الخبز والجبن ويبتعدون عن اللحوم تخوفاً من أن تكون من لحم الخنزير. وقال المهاجر إن الخوف والقلق صارا السمة الأساسية لحياة سكان المبنى، حتى أصيب بعضهم بأمراض مثل السكري. وأضاف: «الكثير من الشباب لا يخرجون الى الشارع بسبب الخوف من الشرطة والاعتقال وهم في الواقع لا يرغبون في الإقامة في اليونان بل العبور منها الى دول أوروبية أخرى». مهاجر صومالي عرف عن نفسه باسم محمد قال: «بعض اليونانيين يعتقدون أن الشبان المتواجدين في المبنى يسعون الى إلحاق الأذى بالآخرين، مع أن جميع الشبان المهاجرين لا يرغبون إلا في الخروج من اليونان». وعن جيران المبنى الذي يقطنون فيه قال: «لا مشكلات خاصة مع جيران المبنى، لكن تردد بعض متعاطي المخدرات والمدمنين على الخمور على المحيط كثيراً ما يثير حفيظة الجيران الذين يستدعون الشرطة». وتقول فاطمة وهي شابة مغربية مقيمة في اليونان وحضرت الى المكان برفقة صحافيين محليين: «بعض الشبان يقيمون في المبنى منذ سنوات وبعضهم حديث الإقامة وتم إخطارهم خطياً منذ فترة وجيزة بوجوب إخلاء المبنى خلال يومين، مع التهديد بتدخل الشرطة لتنفيذ الأمر، ما أحدث رعباً وبلبلة في صفوف الشباب الذين لا يعرفون إذا تم تنفيذ هذا الأمر اين سيعيشون وكيف سيتدبرون أمورهم». ويصل اللاجئون الى اليونان سراً إما من طريق الحدود البرية الشمالية الشرقية مع تركيا وهذا الطريق له مخاطر حيث عليهم أن يجتازوا نهر إيفروس الذي ابتلع المئات منهم خلال السنوات الماضية، ثم المرور بمناطق تتخللها حقول ألغام تسببت أيضاً في قتل وإصابة العشرات، ثم تجنب دوريات حرس الحدود اليونانيين التي عادة ما تكون لهم بالمرصاد حيث لا يفلتون منها إلا نادراً. أما الطريق الآخر فهو الحدود البحرية حيث يعبرون مياه بحر إيجه بمراكب قديمة متهالكة كثيراً ما تغرق لتبتلع شباناً ونساء وأطفالاً نادراً ما يلقون يد المساعدة. وفي حال وصول المركب الى إحدى الجزر اليونانية يوضع المهاجرون في مراكز استقبال الأجانب لفترة ثم يتركون ليرحلوا الى نواح أخرى من اليونان، لكن هؤلاء يحاولون في شكل دائم الانتقال الى أوروبا الشمالية بكل الوسائل الممكنة.