قد يكون تزامن مشاهد العنف الذي تستخدمه الشرطة الأميركية ضد السود، مع ذكرى رحيل أسطورة الريغي بوب مارلي، مجرّد مصادفة. إلا أنّ الحدثين المتزامنين يحتلان أهمية لافتة لرمزيتهما الكبيرة، خصوصاً في هذا العصر الذي يدّعي فيه كثر انتهاء التمييز العنصري وإحلال الحرية والمساواة التي ناضل من أجلها عدد لا يحصى واستشهد في سبيلها آلاف. وقد أخذ هذا النضال أشكالاً مختلفة، فمنهم من ناضل عبر خطابات سياسية ومنهم من ناضل عبر ثورات اجتماعية وآخرون عبر موهبة فنية، مثل الجامايكي بوب مارلي الذي يحيي العالم هذا العام ذكرى مرور 35 سنة على وفاته. قضية التمييز العنصري لم تكن مرة جديدة على مارلي، بل رافقته منذ ولادته حتى وفاته. ولد في 6 شباط (فبراير) 1945 في سانت آن الجامايكية باسم روبرت نيستا مارلي، لوالد خمسيني بريطاني أبيض اسمه نورفال وكان ضابطاً في البحرية البريطانية، أما والدته سيديلا بوكر فكانت جامايكية سوداء في التاسعة عشرة من العمر. لم يستمر هذا الزواج طويلاً بسبب الاختلافات الكثيرة التي كانت تشوبه، والضغوط التي كانت تمارسها عائلة نورفال عليه لهجر عائلته في جامايكا. وبعد عودة نورفال إلى بريطانيا، غرقت والدة بوب في الفقر والبؤس في كينغستون (عاصمة جامايكا). وفيما كانت سيديلا تبحث عن مصدر للرزق وإعالة ابنها الصغير، كان بوب يغذي حبه للموسيقى من خلال الاستماع إلى الإذاعات الأميركية التي كانت تبث غالبية الوقت أغنيات «العبقري» راي تشارلز، إذ لم يكن يملك المال ليشتري أسطوانات جديدة. وبعد فترة وجيزة، تزوّجت سيديلا وسافرت إلى أميركا مع زوجها، ليلحق بها بوب مع زوجته ريتا. وهناك، عمل في وظائف متواضعة، منها عامل نظافة في فندق «دوبون» خلال النهار، وفي مصنع «كرايسلر» للسيارات في الليل، ما سمح له بالتعرف عن قرب على حركة المطالبة بالحقوق المدنية للسود في الولاياتالمتحدة فانخرط فيها، كما شاهد المعاملة العنصرية القاسية التي يتعرض لها السود في أميركا، ما ترك أثراً عميقاً في نفسه وانعكس في أغنياته وأشهرها Buffalo Soldier. وبعد أشهر في أميركا، عاد بوب إلى جامايكا، وأعاد تشكيل فرقة «ذا ويلرز» التي كان عضواً فيها عندما كان فتى. أبصرت أولى أغنيات الفرقة النور عام 1963 بعنوان «Simmer Down» وتصدرت المبيعات في جامايكا. وفي السنوات التالية، أصدرت الفرقة أكثر من 30 أغنية، حقق بعضها نجاحاً وبعضها فشل. وعلى رغم ذلك، لا يمكن إنكار موهبة بوب الفنية الكبيرة التي لم تقتصر على الغناء والعزف، بل كان يكتب الكلمات ويلحنها أيضاً. وغالبية تلك الأغنيات كانت تتمحور حول مواضيع السلام والعدالة الاجتماعية والتمرد، وتحمل رسائل ضد الظلم والعنصرية والقسوة والفقر. ولم تكن تلك الكلمات حبراً على ورق أو لحناً جميلاً يصل إلى الآذان ويترك أثراً متمرداً في النفوس، بل ساهمت في نشر فكرة الحرية بين الشعوب إلى أن أصبح رمزاً لها في كل الدول. وقال منتج أعماله كريس بلاكويل: «كان بوب مارلي في وقت من الأوقات مسؤولاً عن إطعام 4000 فقير في جامايكا». يعتبر بوب مارلي من الشخصيات التي ازدادت أهميتها وقوتها وتأثيرها بعد موتها. فقد وصفته صحيفة «نيويورك تايمز» مع حلول الألفية الثالثة، بأنه «أكثر فنان تأثيراً في النصف الثاني من القرن العشرين»، واختارت «بي بي سي» أغنيته «One Love» نشيداً للمناسبة نفسها. وعام 2001، منح جائزة «غرامي» عن نتاجه الإبداعي، وفي العام نفسه نقش اسمه في جادة مشاهير هوليوود للنجوم في لوس أنجليس. وعلى رغم الاختلاف الكبير بين موسيقى الريغي وموسيقى الروك آند رول، ضم بوب مارلي إلى متحف مشاهير الروك آند رول في الولاياتالمتحدة عام 1994، اعترافاً بعبقريته الموسيقية. كما منح وساماً رفيعاً من بلاده قبل شهر من وفاته تقديراً لدوره في نشر السلام والحرية داخل جامايكا وخارجها. اعتنق بوب مارلي الرستفارية التي كانت سبباً لموته. فبعد تعرّضه لجرح في إصبع قدمه نتيجة ممارسته لعبة كرة القدم التي كان مولعاً لها، عولج الجرح لكنه لم يلتئم. واكتشف الأطباء لاحقاً أنه مصاب بسرطان الجلد تحت ظفره، وكان من المفترض بتر الطرف المصاب، لكن بسبب معتقداته الدينية رفض بوب مارلي بتر أي عضو من جسمه. وبعد ثلاث سنوات، انتشر السرطان في جسده ولم يبق أمل بمعالجته. وفي 11 أيار (مايو) 1981، توفي في ميامي عن 37 سنة.