يشكّل تعليم الأطفال السوريين النازحين الى لبنان موضوعاً شائكاً تحاول أن تجد له وزارة التربية والتعليم العالي مخرجاً من خلال الدعم الدولي وتأمين المساعدات من الدول المانحة. وهذا ما تمّ ضمن حملة «كلنا عالمدرسة» التي أطلقت في بداية العام الدراسي الحالي حيث تأمّن تسجيل حوالى 200 ألف تلميذ سوري يضافون إلى حوالى 100 ألف آخرين كانوا تسجلوا في العام الماضي. ولكن مع هذه الجهود المبذولة، لا يزال هناك حوالى 100 ألف طفل سوري في عمر الدراسة خارج المنظومة التعليمية، إذ تقدر منظمة «يونيسيف» العدد الإجمالي بأكثر من 400 ألف تلميذ. ومع وصول معظم المدارس الرسمية إلى أقصى قدراتها الاستيعابية، واعتذارها عن استقبال مزيد من التلامذة حتى بدوام بعد الظهر، كان لا بدّ من إيجاد حلول أخرى تساعد الأطفال السوريين على البقاء في الأجواء الدراسية أقله، وألا يتسرّبوا نهائياً من المدرسة نحو العمل في سنّ مبكّرة، ما يجعل العودة شبه مستحيلة. من هنا، كانت بداية الفكرة التي ابتكرتها منظمة «سوا للتنمية والتطوير». فبما أنّ المدارس لم تعد قادرة على الاستيعاب وبناء مدارس جديدة أمر مؤجل إلى موعد غير محدد، لمَ لا يمكن الاستعانة بالبيوت المتنقّلة؟ سرعان ما حوّلت المنظمة الفكرة إلى واقع في منطقة سعدنايل - البقاع تحديداً، حيث ثبتت 7 بيوت متنقلة في هذه المنطقة تتكامل مع مراكز التدريس التي كانت قد أنشأتها المنظمة أيضاً. لكن البيوت المتنقّلة مخصصة أكثر للأطفال الذين لا تتواجد في منطقتهم مدرسة رسمية قادرة على استضافتهم أو مركز تدريس قريب. وفي هذه البيوت يُستقبل الأطفال السوريون لمساعدتهم على اكتساب المعارف والقيام بنشاطات تعليمية مهمة لهم، ريثما تتاح لهم الفرصة للالتحاق بمدرسة رسمية ربما في العام المقبل أو بعده، وفق الإستراتيجيات المعتمدة لزيادة القدرات الاستيعابية للمدارس. إذا أردنا وصف هذه البيوت المتنقلة التي وضعت في منطقة البقاع التي تضمّ نسبة 35 في المئة من النازحين السوريين، فهي «مدارس غير تقليدية» كما يصفها مدير الاتصال والتواصل في منظمة «سوا للتنمية والتطوير» فراس بو زين الدين. فلا شك في أنّ إنشاءها يكون بكلفة أقل بكثير من المباني التقليدية، كما يمكن نقلها من مكان إلى آخر وفق الحاجة. لكن في داخلها يُعطى الطلاب دروساً في اللغة والعلوم مع نشاطات خارجية كالموسيقى والرياضة في الملاعب الملحقة بالبيوت المتنقلة. وما يميّز الفكرة أكثر أنّ الأساتذة الذين يعلّمون في هذه المدارس هم أيضاً من السوريين، وقد تلقوا تدريبات على المنهج اللبناني بمساعدة منظمة «سوا». وهكذا يكونون هم أيضاً قد وجدوا وظيفة وعادوا إلى حقل التعليم مع إمكان تأمين مدخول تفتقده عائلات سورية نازحة كثيرة. كما هناك أساتذة أجانب يرغبون في المساهمة في عملية التعليم وإعطاء مواد عدة أيضاً، ما يعزز من مستوى عملية التعلم في هذه البيوت - المدارس. ويؤكّد بو زين الدين أنّ الأساتذة يلتزمون تعليم المنهج اللبناني، وذلك بهدف تحضير الأطفال السوريين للانخراط في المدارس الرسمية في أول فرصة تتاح لهم، خصوصاً أنّ المشكلة الأكبر لا تكمن فقط بدخول المدرسة بل بإمكان مواكبة عملية التعلم بسبب الفروق في المنهجين اللبناني والسوري وصعوبة اللغات أيضاً. وحتّى الآن جمعت هذه البيوت المتنقّلة حوالى 300 طالب من منطقة البقاع، ولا شك في أنّ هذا الرقم يبدو بسيطاً مقارنة بأعداد الأطفال السوريين خارج المنظومة التعليمية. لكن التجربة، كما يلفت بو زين الدين، يمكن أن تعمم على مناطق أخرى مثل عكار وطرابلس، لأنّ كلفتها بسيطة ولدى الأطفال كما المعلّمين الحماسة للعودة إلى الأجواء الدراسية ولو في بيوت متنقّلة. أما من ناحية الدعم المادي لتأمين البيوت ورواتب الأساتذة وغيرها من المستلزمات، فيشير بو زين الدين إلى أنّها تؤمّن من قبل المنظمات غير الحكومية وفي مقدمها منظمة «أوكسفام»، فيما لم تحظَ المبادرة بعد بدعم من وزارة التربية. وفيما يمكن أن يعتبر كثيرون أنّ هذه البيوت - المدارس ليست الحل الجذري لمشكلة تعلّم الأطفال النازحين السوريين في لبنان، فلا شك في أنّها تفتح طاقة أمل لأطفال كثر سلخوا من بيئتهم ومدرستهم، ليجدوا أنفسهم في مخيمات للنازحين لا تتوافر فيها أدنى مقومات العيش.