شهدت «حرب الجنرالات» الدائرة في إسرائيل منذ أسابيع فصلاً تصعيدياً جديداً في اليومين الأخيرين بعد تطورات جديدة في قضية «وثيقة غالنت» المتعلقة بخلافة رئيس هيئة أركان الجيش الحالي الجنرال غابي أشكنازي، والتي تضمنت «خطة إستراتيجية» لإقناع وزير الدفاع ايهود باراك بتعيين قائد الجبهة الجنوبية في الجيش الميجر جنرال يوآف غالنت رئيساً للأركان من خلال تشويه سمعة مرشحين آخرين للمنصب ورئيس هيئة الأركان الحالي. كما تدعو الوثيقة إلى العمل على تأجيج التوتر والخلافات بين غالنت وأشكنازي، وتشويه صورة نائب رئيس الأركان الحالي الميجر جنرال بيني غانتس، المنافس الأبرز لغالنت. وتسبب كشف الوثيقة في تجميد عملية تعيين رئيس الأركان بأمر من المستشار القضائي إلى حين الانتهاء من التحقيق الذي تجريه الشرطة. وكان اشكنازي أصدر، مع كشف الوثيقة قبل أسبوعين، بياناً أعرب فيه عن أسفه «للضرر الذي لحق بالجيش وبصورته لدى الشعب»، ومطالباً بإجراء تحقيق معمق. وأفضت تحقيقات الشرطة الإسرائيلية التي أمر بها المستشار القضائي للحكومة يهودا فاينشتاين مع عدد من جنرالات الجيش لمعرفة مصدر «الوثيقة»، إلى نتيجة أولية ترجح أن «الوثيقة» مزيفة ولا علاقة لغالنت بها، بينما كان أشكنازي يعلم بوجودها منذ شهور، ولم يبلّغ وزير الدفاع بها، إلى أن قام أشكنازي قبل يومين بتبليغ الشرطة بوجودها وسلمها نسخة عنها. وثمة اعتقاد قوي بأن ضباطاً كباراً في الجيش الإسرائيلي، النظامي والاحتياطي على السواء، يقفون وراء «الوثيقة المزورة» التي ابتغت عملياً نسف إمكان تعيين غالنت رئيساً للأركان ودعم تعيين مرشح آخر. وتشهد العلاقات بين أشكنازي وغالنت توتراً منذ عامين على خلفية التنافس على من منهما يستحق الإشادة في كل ما يتعلق بإدارة عملية «الرصاص المصبوب» (الحرب الأخيرة على قطاع غزة). كما تشهد العلاقات بين اشكنازي وباراك توتراً بل شبه قطيعة، في أعقاب قرار باراك عدم تمديد ولاية الاول لعام خامس عند انتهائها في شباط (فبراير) المقبل. وإزاء التصعيد الحاصل في العلاقات بين الجنرالات، دعا رئيس لجنة الخارجية والأمن البرلمانية تساحي هنغبي إلى اجتماع طارئ للجنة الأحد المقبل لبحث الموضوع. واعتبر أحد مؤلفي «كود الأخلاق» للجيش الإسرائيلي البروفيسور أسا كسير أن ما يحصل داخل الجيش يقود إلى أزمة ثقة بين الجيش والجمهور. وأضاف ان ما يحصل سبب ضرراً جسيماً «وعلى رئيس الأركان الجديد أن يقوم بعمل كبير ليستعيد ثقة الناس بقيادة الجيش». وأشار معظم المعلقين في الصحف العبرية التي كرست صفحاتها الأولى أمس ل «حرب الجنرالات» إلى أن هذه الحرب ليست بظاهرة جديدة، مستذكرين أهم محطاتها، لكنهم اعتبروها «الأسوأ والأخطر ربما» في تاريخ الدولة العبرية. ولم يتردد المعلق السياسي في صحيفة «هآرتس» ألوف بن في اعتبار فعلة الضباط الكبار (تزوير الوثيقة وتسريبها إلى وسائل الإعلام) في حال ثبت ذلك، «انقلاباً عسكرياً على وزير الدفاع» ومؤامرة ضده لإجهاض احتمال اختيار غالنت، «وربما التسبب بإطاحة باراك نفسه»، علماً أن الأخير كان باشر، قبل كشف الوثيقة، إلى الاجتماع مع المرشحين الأبرز للمنصب، وسط توقعات بأنه يميل لاختيار غالنت. وأضاف بن أنه لا يجوز التقليل من خطورة ما حصل وكتب: «هذا تمرد من جانب طغمة عسكرية على المؤسسة المدنية المسؤولة عنها». وزاد أن النشر عن أن أشكنازي علم بأمر وجود الوثيقة قبل أسابيع من نشرها وأبقاها في الدرج من دون تبليغ باراك عنها ومن دون إجراء تحقيق في الموضوع «تكشف عفناً عميقاً في القيادة العسكرية». وكتب كبير المعلقين في «يديعوت أحرونوت» ناحوم برنياع تحت عنوان «جمهورية الموز» أن «البشائر الآتية من الجيش تفيد بأن الأفاعي تطل برأسها من مقر القيادة العسكرية في تل أبيب، وأن الدسائس والمؤامرات والأكاذيب منتشرة هناك ... ما يحصل لا يمكن التسامح معه أو تحمله ... هذا هو الواقع في جمهورية موز». ورأى المعلق العسكري في الصحيفة أليكس فيشمان أن «ثمة تشويشاً حاصلا في الحمض النووي للجيش الإسرائيلي ... ليس هذا هو جيش الدفاع الإسرائيلي وليست هذه روح الجيش ... لذلك فإن الأمر فظيع للغاية».