يدخل التفاهم السوري – السعودي في شأن الحفاظ على الاستقرار في لبنان والتزام التهدئة أول اختبار جدي تفرضه الجلسة التشريعية للبرلمان اليوم، وعلى جدول أعمالها بندان رئيسان هما اقتراحا قانون، الأول يتعلق بالموارد البترولية والثاني بإعطاء اللاجئين الفلسطينيين حقوقهم الاجتماعية والإنسانية، إضافة الى تلاوة الأوراق الواردة في مستهل الجلسة التي تتيح للنواب التقدم بمداخلات مختصرة يمكن أن تفتح الباب أمام استحضار ما كان أعلنه الأمين العام ل «حزب الله» السيد حسن نصرالله في مؤتمره الصحافي الأخير عن «قرائن» توجه أصابع الاتهام الى إسرائيل باغتيال رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري، وإنما على أساس ضبط إيقاع المواقف النيابية لقطع الطريق على الانجرار الى سجال لا يخدم الرغبة في تثبيت الاستقرار. ولم يكن اللقاء الذي عقد أول من أمس بين رئيسي المجلس النيابي نبيه بري والحكومة سعد الحريري إلا بهدف جمع الجهود للحفاظ على الاستقرار العام تحت سقف الاستجابة للتفاهم السوري – السعودي، وهذا ما عكسه الأخير بقوله أمام زواره إن القاسم المشترك بينهما هو العمل بهدف التهدئة والتزام الخطاب السياسي الهادئ الذي يسمح باستمرار الحوار والتواصل من أجل التفاهم على القضايا المطروحة على الساحة السياسية. ومع أن الحريري شدد في كلمته في الإفطار الذي أقامه غروب أول من أمس، على التخاطب بكلام هادئ ومسؤول بعيداً من لغة التخوين والكذب والشتائم من دون أن يدخل في تفاصيل ما اتفق عليه في اجتماعه مع بري، علمت «الحياة» من مصادر وزارية وأخرى نيابية أن جدول أعمال الجلسة التشريعية كان حاضراً بامتياز في اجتماعهما التشاوري. وكشفت المصادر نفسها أن اقتراحي القانون في خصوص الموارد البترولية والحقوق الاجتماعية والإنسانية للفلسطينيين يمكن أن يشكلا مادة دسمة للعودة الى الاشتباك السياسي في البرلمان، ما يحتم إجراء الاتصالات الرامية الى تفكيك الاحتقان وتحضير الاجواء أمام عقد جلسة هادئة، وهذا ما استدعى تكثيف الاتصالات، وبرعاية مباشرة من رئيسي المجلس والحكومة، باتجاه الكتل النيابية بحثاً عن المخارج التوافقية للحفاظ على روحية التفاهم السوري – السعودي وعدم إجهاضه بمواقف متشجنة من العيار الثقيل. وأكدت المصادر أن تفاهم بري والحريري على التهدئة «أولاً وثانياً وثالثاً ونقطة على السطر» ترجم بتحرك ملموس باتجاهين: الأول للوصول الى تفاهم يتم تكريسه في الهيئة العامة للبرلمان ويتعلق بتشكيل الهيئة العامة للإشراف على قطاع البترول (نفط وغاز) والثاني يتناول صوغ المقترحات الخاصة بالحقوق الإنسانية والاجتماعية بصيغتها النهائية للتصويت عليها،ن وبتأييد من النواب المسيحيين، منعاً للانقسام الحاد في المجلس على أساس طائفي ومذهبي، لا سيما في ظل ما أشيع أمس عن أن نواباً مسيحيين من كتل نيابية مختلفة يميلون الى الغياب عن الجلسة. وهذا ما استدعى تحركاً من رئيس «اللقاء النيابي الديموقراطي» وليد جنبلاط العائد ليل أمس الى بيروت لدى النواب الأعضاء في كتلته لإقناعهم بوجوب حضور الجلسة. ولفتت المصادر الى أن التخوف من غياب بعض النواب المسيحيين عن الجلسة، انسحب أمس على «تكتل التغيير والإصلاح» برئاسة العماد ميشال عون الذي تشاور مساء أمس مع نوابه في جدول أعمال الجلسة لاتخاذ القرار المناسب في شأن بنوده الرئيسة. وأوضحت المصادر أن تحركاً جرى أمس وكان محوره وزير الطاقة جبران باسيل والنائبين علي حسن خليل من كتلة بري وغازي يوسف من كتلة «المستقبل»، وشارك فيه عدد من المستشارين والخبراء، بحثاً عن صيغة توافقية للنزاع القائم حول طبيعة الهيئة المشرفة على إدارة قطاع البترول. وتردد ليلا أن الاتصالات أثمرت توافقاً على صيغة ليست نهائية وتحتاج الى بعض «الرتوش» وتقضي بصرف النظر عن تشكيل هيئة وزارية لهذا الشأن لمصلحة هيئة أخرى ترتبط بوزير الطاقة وتتمتع بصلاحيات محددة على أن يخضع قرار تلزيم التنقيب عن النفط والغاز واستخراجه لقرار من مجلس الوزراء باعتباره يشكل صمام الأمان لعدم التفرد. كما تردد أن فريقاً من الموظفين في البرلمان انشغل بإعادة طبع اقتراح القانون الخاص بالموارد البترولية لتضمينه التعديلات المتفق عليها، خصوصاً أن لدى الغالبية النيابية توجهاً لعدم حصر هذا القطاع بوزير الطاقة لأن من شأنه أن يحوّل الوزارة الخدماتية الى حقيبة سيادية ستكون موضع نزاع لدى تشكيل حكومة جديدة. إلا أن مصادر مواكبة للاتصالات أكدت ل «الحياة» أن المشاورات بين باسيل والنائبين خليل ويوسف لم تتوصل الى تفاهم، وعزت السبب الى إصرار الأول على أن يتفرد وحده في إدارة قطاع البترول من دون أي دور لوزارة المال وأن يكون للهيئة صفة استشارية وليست إلزامية. وتابعت أن باسيل يريد أن يتحكم وحده في إدارة قطاع النفط وأن لا يعود في كل قرار الى مجلس الوزراء، وهذا قد يدفع بمعظم النواب الى المطالبة باستحداث وزارة للموارد الطبيعية في حال لم تتوصل المفاوضات التي سبقت عقد الجلسة واستمرت طوال ليل أمس الى تفاهم. ورأت هذه المصادر أن بري يضغط من أجل التفاهم على إدارة قطاع النفط وإلا سيتم التصويت على كل مادة على حدة ويترك القرار النهائي للنواب. علماً أن إنشاء الصندوق السيادي لقطاع البترول ليس مطروحاً في الوقت الحاضر، وهو يحتاج الى إصدار قانون في مجلس الوزراء، ما يعني أنه لن يكون موضع خلاف في الجلسة وبالتالي هناك مزيد من الوقت يسمح بالتوافق على دوره والبنود الخاصة به. أما في خصوص الحقوق الاجتماعية والإنسانية للفلسطينيين، فقد انتهى الاجتماع الذي عقده عصرا رئيس كتلة «المستقبل» الرئيس فؤاد السنيورة مع وزيري العمل بطرس حرب والشؤون الاجتماعية سليم الصايغ في حضور منسق الأمانة العامة لقوى 14 آذار فارس سعيد والنواب الأعضاء في كتلتي «المستقبل» وحزب «القوات اللبنانية» الى تكريس ما كان تم التوصل إليه في شأن هذه الحقوق مع إدخال تعديل طفيف عليه يتعلق بحصر التعويضات للعمال الفلسطينيين بنهاية الخدمة من دون إفادتهم من الضمان الصحي والأمومة باعتبار أن هذه الأمور من صلاحية وكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين «الأونروا» التي يفترض فيها رفع مستوى الخدمات في هذا المجال للفلسطينيين.