لم يكتفِ القادة الفلسطينيون في «حماس» و «فتح» بما يلقاه الشعب الفلسطيني المكافح على يد الدولة العبرية العنصرية التي لم تترك جريمة عرفها الإنسان إلا وارتكبتها في حق هذا الشعب من قتل وتشريد وتعذيب وتدمير غير مسبوق لكل مقومات الحياة في الضفة والقطاع، كأنما أرادت «فتح» و «حماس» أن تزيدا أهلهما جروحاً فوق آلامهم وآلاماً فوق جروحهم، فطبقاً لتقرير نشرت ملخصه «الحياة» في السابع من هذا الشهر، إذ أكد ذلك التقرير الصادر عن الهيئة المستقلة لحقوق المواطن أن أجهزة الأمن التابعة للحركتين تتنافسان على انتهاكات حقوق الإنسان الفلسطيني على أرضه وبين أهله وذويه! إنها فضيحة كبرى تلطخ وجهي فتح وحماس وهما حركتان إسلاميتان وتعرفان تمام المعرفة أن الدين الإسلامي يكرم الإنسان ويحضّ على معاملته معاملة كريمة لا تشوبها ممارسات التعذيب والمعاملة غير الإنسانية أو المهينة، فالإسلام كفل جميع الحريات للإنسان سابقاً بذلك كل المواثيق الدولية التي تتحدث الآن عن حقوق الإنسان في السلم والحرب وفي مقدمها الاتفاق الذي اعتمدته الجمعية العامة للأمم المتحدة في10 كانون الأول (ديسمبر) 1984 المناهضة للتعذيب والمعاملة والعقوبة القاسية وغير الإنسانية المسيئة والمهينة للإنسان. من يتصفح ملخص التقرير الآنف الذكر يجد أن فتح وحماس جنبا العدالة القضائية واحترام حقوق الإنسان وركبا صهوة التعذيب والمعاملة غير الإنسانية والمهينة ونسيا مثلاً أن تعذيب الإنسان لأخيه الإنسان جريمة يعاقب عليها القانون ولا تسقط الدعوى أو العقوبة بشأنها بالتقادم، إذا ثبت أن أحد المعذبين أو كلهم نتج من تعذيبهم معاناة أو ألم شديد جسدياً كان أم عقلياً ارتكب عمداً من أحد الموظفين العموميين والمسؤولين الرسميين. والهيئة التي أعدت التقرير أكدت أن الأجهزة الأمنية في الحركتين قامتا بانتهاك حق الموقوفين والمحتجزين في شأن سلامتهم البدنية بتعذيبهم وضربهم وتهديدهم وتقييد أيديهم إلى الخلف وتعليق الجسم بخطاف في نافذة مرتفعة وعصب العينين لفترات طويلة، ما يعني أنه تعذيب نفسي غير مسبوق إضافة إلى الضرب بالعصي والركل بالأرجل والضرب بالأيدي على أنحاء الجسم إلى جانب سوء المعاملة، وكل هذه جرائم يعاقب عليها القانون ولا تسقط الدعوى بالتقادم. لم تتوقف أفعال السلطتين في غزة والضفة ضد مواطنيها عند هذا الحد من الجرائم البشعة بل إنهما وعلى ذمة الهيئة المستقلة لحقوق المواطن، تعتقلان المواطنين تعسفياً على خلفية الانتماء السياسي متجاهلتين الإجراءات القانونية في عملية التوقيف التي تقتضي عرضهم على القضاء المدني. ولقد امتدت عصي حماس وفتح السلطوية إلى حرية الصحافة لتضربها في الصميم بالاعتداء على حرية الصحافيين بتوقيف بعضهم ومنع توزيع بعض الصحف، ولم يقتصر الأمر عند هذا الحد بل إن السلطتين ذهبتا أبعد من ذلك بمنع حرية التنقل والسفر فمنعت الكثيرين مِن حقهم الطبيعي في السفر والتنقل حتى في الحالات المرضية التي لا تتحمل التسويف والمماطلة، وزاد الطين بلة بمصادرة كل حركة جوازات السفر لأعضاء من الحركة الأخرى، ولم تتأخر وزارة التربية والتعليم العالي عن الركب فقد أصدرت قرارات بالفصل أو توقيف إجراءات التعيين بحق بعض العاملين فيها! إن الناظر إلى أفعال فتح وحماس يبرز له أنهما لم تكترثا بحرية الإنسان الفلسطيني وكرامته واحترام شخصيته ومشاعره، وهي أمور جوهرية أمر الإسلام بالمحافظة عليها حتى بعد وفاة الإنسان، ومن هنا فإنه ليس من حقهما القبض على مواطن أو اعتقاله أو حبسه أو تعذيبه أو معاقبته إلا بناء على حكم قضائي صادر من محكمة قضائية مستقلة. المهم أن القضايا التي رصدتها الهيئة المعنية بحقوق المواطن الفلسطيني واعتبرتها انتهاكات لحقوق الإنسان تبلغ (888) قضية تراوح ما بين قضايا تعذيب وحبس واعتداء على الحريات ومنع من السفر وفصل من العمل... إلخ، وإذا كانت سلطتا فتح وحماس ومعهما العرب وكل ذي ضمير حي يطالبون إسرائيل بالإفراج عن نحو (12) ألف سجين فلسطيني ارتكبت في حقهم جرائم بشعة، ناهيك عن أن العرب يطالبون محاكمة مجرمي إسرائيل أمام محكمة الجنايات الدولية وغيرها من المحاكم الدولية عن الجرائم البشعة التي ارتكبوها في حق الفلسطينيين خلال حروبها ضدهم، فإنه على الجانب الآخر يجب على الحماسيين والفتحيين أن يترفعوا عن التسابق إلى انتهاكات حقوق الإنسان الفلسطيني الذي شاء قدره أن يقع بين مطرقة إسرائيل وسندان قادته!! صحيح أن إسرائيل ارتكبت ضد الشعب الفلسطيني أفظع الجرائم غير المسبوقة في التاريخ بأسلحة أميركية بعضها محرم ومنها (الفوسفورية) خارقةً قواعد القانون الدولي وميثاق الأممالمتحدة واتفاقات جنيف لحماية المدنيين ومنها جرائم إبادة وجرائم حرب، وجرائم ضد الإنسانية وقتل السكان الأصليين وإبعادهم وكبت حرياتهم وجرائم تمييز عنصري وتجويع لإهلاكهم بقصد وسبق إصرار وغيرها من الجرائم الفظيعة، لكن من (المؤسف) أن تقوم فتح وحماس بوأد حقوق الإنسان من خلال أجهزة أمنية أقامها كل فريق على الأرض التي يسيطر عليها طمعاً في سلطة وهمية إلا في أذهانهم هم، وأصبح تحرير الأرض حلماً بعيد المنال وهؤلاء القادة يتناطحون من أجل تلك السلطة (السراب) والعدو يضربهم ويحاصرهم من كل جانب! ولذا فإن ما فعلته وتفعله السلطتان من اعتقال تعسفي وتعذيب ومنع من السفر وضرب وسوء معاملة وغيرها من حقوق التعدي على الحريات وحقوق الإنسان يعتبر وصمة عار وفضيحة لا تغتفر للحركتين المتنافستين على السلطة. وعلى ذمة التقرير، فإن السلطتين عمدتا إلى إبعاد الانتهاكات، عن عين القضاء النزيه المستقل وأخضعتها لقضاء عسكري تابع لوزارة الداخلية في الضفة والقطاع، غير عابئتين بمستقبل بلادهم ولا مصلحة شعبهم ولا بما سيقوله التاريخ عنهم، ولا بلعنة الأجيال القادمة، وهذه مأساة لا تغتفر ومصيبة ابتلي بها الفلسطينيون من قادة أرادوا إلحاق الأذى والضرر بأهلهم وقضيتهم فصدق فيهم قول طرفة بن العبد: وظلم ذوي القربى أشد مضاضة ***على المرء من وقع الحسام المهند * رئيس مركز الخليج العربي للطاقة والدراسات الاستراتيجية Eml:[email protected]