رمضان كلّ سنة (على رغم انقطاعات قليلة) هو أيضاً موسم لحلقات «طاش ما طاش»، المسلسل الذي ألفناه منذ أكثر من عقد ونصف العقد من السنين، والذي منحنا متعة رائقة مع كوميديا مختلفة، هادفة وذات مضامين إنسانية نبيلة. أهم ما حمله لنا هذا المسلسل بالذات هي روح الكوميديا الآتية من مكان آخر، وأعني هنا من غير تلك الأماكن التي اشتهرت بإنتاج الكوميديا على مدار السبعين سنة الفائتة. وهو مكان يحمل بالتأكيد خصوصيته، ومذاقه، ليس بسبب تميُز الفنانين الكبيرين عبدالله السدحان وغازي القصبي وحسب (على أهمية هذا)، ولكن أيضاً بسبب انتماء العمل الى بيئة كوميدية جديدة، وذات نكهة خاصة. هنا بالذات أعني «قضايا الكوميديا»، ومنطلقاتها، أي موضوعاتها وأفكارها، وهي بالتأكيد تحمل كيفيات النظر للعالم، كما تنطلق من إرث كامل يجمع الروح الشعبية إلى التاريخ. ولكنها تحمل في الوقت ذاته مخيلة مغايرة، هي إبنة الحياة الاجتماعية في المملكة العربية السعودية، البلاد الشاسعة وذات التاريخ العريق، والتراث الطافح بملامح متفرّدة والذي الى سنوات قليلة لم نكن نعرف أشياء كثيرة عن حياته الاجتماعية وعن مستوى الأداء الفني فيه. وبهذا المعنى يجوز الحديث عن كوميديا خاصة، فالكوميديا تنتسب أيضاً للمكان، ولعل ّ «طاش ما طاش» قد ربح أيضاً هذه النقطة، واستفاد منها في الوصول إلى أكبر قطاع من المشاهدين العرب في بلدانهم المختلفة، وهو نجح في ذلك بتناوله هموماً وقضايا إنسانية تضيف الى الخصوصيات المحلية ما هو مشترك عربياً وإنسانياً، بأساليب فنية أعتقد أنها فهمت بطريقة راقية ومتقدمة كيفية التعبير بالكوميديا فقفزت عن التهريج، ونجت من الرّتابة، آفة أي عمل فني ومقتله. هل تكون حلقات المسلسل هذه السنة ناجحة وتحمل المتعة والمضمون الجيّد كما في المواسم السابقة؟ ذلك سؤال ينتظر العرض والمشاهدة، خلال أيام وليالي شهر الصوم، التي باتت على الأبواب، وصناع العمل يدركون مثلنا أن التميُز بات في تزاحم الأعمال الكثيرة، يقتضي ارتقاء بالدراما، وتطويراً مستمراً لها، وبالذات حين نتحدث عن عمل صار له عمره الطويل، ما يعني ضرورة أن «ينقلب» على نفسه باستمرار كي يستمر في تألقه ونجاحه، وكي تستمر معه متعتنا ومتابعتنا.