أحال مجلس الشورى العسكري في تركيا أمس، 586 عقيداً على التقاعد، مقلّصاً مدة الخدمة العسكرية للضباط في الجيش من 31 إلى 28 سنة، سعياً إلى الحدّ من زيادة أعداد الضباط ذوي الرتب العالية. أتى ذلك عشية وصول جوزف بايدن، نائب الرئيس الأميركي إلى أنقرة اليوم، في زيارة تحمل أبعاداً أمنية وسياسية واستراتيجية في التوقيت والأهمية، بالنسبة إلى العلاقات التركية – الأميركية، ولاستعادتها توازنها في الأشهر الستة الأخيرة من حكم الرئيس باراك أوباما. وسيحاول خلالها الأميركيون ترطيب الأجواء بين الجانبين بعد توتر، إثر اتهام الرئيس التركي رجب طيب أردوغان واشنطن بدعم منفذي محاولة الانقلاب الفاشلة الشهر الماضي، ومطالبة الولاياتالمتحدةتركيا بأدلة تثبت تورط الداعية المعارض فتح الله غولن بالمحاولة، من أجل تسليمه. وأثار الخلاف بين الطرفين مخاوف من أن ينعكس سلباً على مكافحة تنظيم «داعش» في سورية والعراق. وأعلنت وزارة الدفاع التركية أن مجلس الشورى العسكري الذي التأم أمس، أحال 586 عقيداً على التقاعد، بينهم 470 من القوات البرية و71 من البحرية و45 من سلاح الجوّ. ومدّد المجلس سنتين، خدمة 434 عقيداً، بينهم 372 من القوات البرية و27 من سلاح الجوّ و35 من البحرية. وقلّص المجلس مدة الخدمة العسكرية للضباط في الجيش، من 31 إلى 28 سنة. واجتماع المجلس هو الثاني خلال شهر، بعد المحاولة الانقلابية، علماً أنه كان يجتمع مرتين فقط سنوياً. ورأس الاجتماع رئيس الوزراء بن علي يلدرم في مقرّ الحكومة، بعدما كان المجلس يلتئم في مقرّ رئاسة الأركان التركية. وفي سياق حملة «تصفية» تشنّها السلطات بعد المحاولة الفاشلة، أعلن وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو أن 332 من موظفي الوزارة استُدعوا، أو جُمِّد عملهم، مشيراً إلى طرد 89. ولفت إلى أن 31 ما زالوا فارين، بعد مطالبتهم بالعودة إلى تركيا. في غضون ذلك، يلتقي بايدن في أنقرة اليوم، أردوغان ويلدرم، علماً أنه أبرز مسؤول يزور تركيا منذ المحاولة الانقلابية ليل 15-16 تموز (يوليو) الماضي. وبايدن هو الرجل الوحيد في الهرم الأعلى لإدارة أوباما، الذي تجمعه علاقة ثقة ومودة شخصية مع أردوغان، واختار البيت الأبيض إرساله إلى تركيا بدل وزير الخارجية جون كيري، الذي أغضب أنقرة بعد إصداره بياناً خلال المحاولة الانقلابية تطرّق فيه إلى أهمية «السلام والاستقرار»، متجنّباً تضمينه دعماً للرئيس التركي. خطوة كيري فاقمت حدة اتهامات أنقرةلواشنطن بدعم المحاولة الانقلابية، خصوصاً أنها ترفض تسليم غولن المقيم في ولاية بنسلفانيا منذ عام 1999. وسيكون ملف الداعية حاضراً أثناء قمة بايدن– أردوغان، مع بدء معركة قانونية في الولاياتالمتحدة لتسليمه، علماً أن وزارة العدل التركية أعلنت أنها بدأت في أنقرة أمس محادثات في هذا الصدد مع مسؤولين من وزارتَي العدل والخارجية الأميركيتين، تسبق زيارة وفد تركي إلى واشنطن. ولفت مسؤول أميركي بارز إلى أن أنقرة لم تقدّم حتى الآن سوى طلبات تسليم تستند إلى أحداث سابقة على المحاولة الانقلابية. وأضاف أن بايدن «سيؤكد مجدداً أن الولاياتالمتحدة تبذل كل شيء لدعم جهود تركيا لمحاسبة المسؤولين عن هذه المحاولة، مع ضمان احترام سيادة القانون». وأشار إلى أن نائب الرئيس سيبلغ المسؤولين الأتراك أن تلميح بعضهم إلى دور لواشنطن في المحاولة الفاشلة، «ليس مفيداً وهو هراء». وقالت مصادر أميركية ل «الحياة» إن بايدن سيمرّر لأردوغان رسالة صارمة تعبّر عن رفض واشنطن اتهامات أنقرة. وأضافت أن مجلس الأمن القومي الأميركي طلب من تركيا التراجع عن هذه الاتهامات قبل وصول نائب الرئيس، فأعلن جاويش أوغلو الأسبوع الماضي أن الحكومة التركية لم تتهم الولاياتالمتحدة مباشرة بالوقوف وراء المحاولة الانقلابية، علماً أن يلدرم اعتبر أن زيارة بايدن هدفها «جعل علاقاتنا شبه الحلوة، علاقات حلوة». وسيكون الملف السوري حاضراً أيضاً خلال الزيارة، خصوصاً بعد «تشنّج» تركي بسبب دعم واشنطن تقدّم الأكراد في القتال ضد «داعش». لكن الإدارة الأميركية تبدو واثقة من متانة العلاقات مع تركيا، معوّلة على حاجة أردوغان إلى واشنطن، بوصفها شريكاً اقتصادياً وضمانة أمنية وسياسية في العراق وسورية.