بنك «جرامين» الذي أسسه البروفيسور محمد يونس، أستاذ الاقتصاد في «بنغلاديش»، هذا البنك الاجتماعي، بنك الفقراء المغلوبين على أمرهم، الذي يُقرض من دون فوائد ومن دون ضمانات، وحقق نجاحاً باهراً على مستوى العالم في معالجة الفقر في بنغلاديش، استحق البروفيسور محمد يونس بهذا العمل جائزة «نوبل» للسلام. ما يلفت النظر والانتباه لهذا البنك أن نسبة المستفيدين منه بلغت نحو 97 في المئة، هن من النساء اللاتي بدأن بقروض متناهية الصغر. والبنك حقق النجاح الذي نقل المرأة الأمية والأكثر فقراً في بنغلاديش إلى سيدة أعمال، على رغم معارضات من بعض فئات المجتمع البنغلاديشي في عمل المرأة. ولكن بعد ذلك، فإن المعارضين هم من شاركوا في أعمال هذا البنك وأقروها وشجعوها بعدما ثبت لهم الهدف النبيل والاجتماعي في معالجة الفقر. ومن خلال هذه المقدمة عن بنك جرامين ومعارضيه، يكون الربط بين هذا البنك ومعارضات التيارات الفكرية، وقرار مجلس الوزراء رقم «120»، الذي أتاح للمرأة السعودية العمل في محال بيع المستلزمات النسائية فقط، واقتصر على البيع والشراء في المجال النسائي، ولا يزال هذا القرار لم يرَ النور للآن، على رغم إصرار وزارة العمل وحرصها على تطبيقه فعلياً، ولكن يبدو أن هناك أيديولوجيات تقف خلف عدم تنفيذه. حقيقة هذا القرار المعطل ذو أبعاد عدة، منها القضاء على البطالة النسائية والفقر وغيرهما، لا سيما أن المجتمع السعودي تنطبق عليه مقولة «المرأة نصف المجتمع»، فهي فعلاً نصف المجتمع من حيث العدد السكاني، بحسب آخر تعداد للمملكة العربية السعودية، وكذلك حظيت المرأة السعودية في هذه البلاد المباركة بنصيب وافر من التعليم والتأهيل وهي بحاجة للكسب الحلال، والدولة، وأي دولة في العالم، غير ملزمة باستيعاب جميع المواطنين في القطاع العام، ولكنها ملزمة بتهيئة السبل الكفيلة بطلب الرزق للجميع، وفق المعايير التي لا تتعارض مع الدين، أو عادات متأصلة مستمدة من الدين. إن المشاريع المتناهية الصغر، أو الأسر المنتجة، وهذه الأسر المنتجة هي نواة المشاريع الصغيرة والمتوسطة، التي تعتبر من أهم مقومات اقتصاد أي دولة في العالم، كما أن سياسة المملكة العربية السعودية تقوم على توسيع القاعدة الاقتصادية بتقليل الاعتماد على النفط كمصدر أساسي، وذلك من خلال تنمية المشاريع الصغيرة والمتوسطة، التي نواتها هذه الأسر العاملة، وقبل أيام أقر مجلس الوزراء الموقر أهداف خطة التنمية التاسعة، وأحد أهداف هذه الخطة التنموية هو تنمية المشاريع الصغيرة والمتوسطة. كما أن التقارير الاقتصادية تشير إلى المشاريع الصغيرة في معظم الدول، ومنها دول عربية قريبة منا، تكون مساهمتها في الاقتصاديات تصل في بعضها إلى 90 في المئة، بينما نحن، على رغم احتلالها من العدد المؤسساتي نسبة تصل إلى 90 في المئة، إلا أن مساهمتها في الاقتصاد لا تتجاوز 30 في المئة فقط. وما تطالعنا به بعض الصحف اليومية من تحقيقات عن حال العاملات الفقيرات، أو محدودات الدخل، أمر يندى له الجبين، هؤلاء النسوة اللاتي يعملن في بيع التجزئة، أو صناعات خفيفة تعتمد على الإنتاج اليدوي، أو بيع أي مواد تحويلية على الأرصفة والممرات والأماكن العامة أمام البوابات، معرضات لحرارة الجو وبرودته في ظل مضايقات كثيرة وقد يكون بعضها من جهات رسمية. أليس من الأولى، بل من الواجب، تهيئة مكان مناسب لهن لحفظ كرامتهن وصحتهن وصونهن، ويكون في جو مؤسسي حضاري منظم؟! أو بمعنى آخر، أيهما أفضل أن تكون المرأة العاملة في هذا المجال في الطرقات والشوارع العامة في عشوائية مقيتة، أم تكون في أماكن مخصصة لهذا الغرض؟! السؤال الذي يبحث عن إجابة: مَنْ يقف خلف عدم تنفيذ هذا القرار؟! كاتب وباحث ومدرب في مهارات التفكير [email protected]