اتسمت العلاقات الإيرانية - الأوروبية خلال العقود الثلاثة الماضية بالتذبذب وعدم الاستقرار، ولم ينجح الجانبان في بناء علاقات متوازنة تستند الي المصالح المشتركة، بناء للدور الذي يمكن ان تلعبه إيران بالنسبة الى الاتحاد الأوروبي، والدور الأوروبي الذي يمكن ان يخدم المصالح الإيرانية. واختلفت السياسات التي انتهجتها الحكومات الإيرانية المتعاقبة حيال الاتحاد الأوروبي، سواء تلك التي كانت في عهد هاشمي رفسنجاني (1989 – 1997)، او عهد محمد خاتمي (1997-2005)، وتلك التي تمارسها حكومة الرئيس احمدي نجاد منذ 2005. ويتهم الإيرانيون دول الاتحاد الأوروبي بأنها كانت منحازة الى الولاياتالمتحدة خلال العقود الثلاثة الماضية، بما في ذلك خلال الحرب العراقية - الإيرانية (1980- 1988)، أو خلال مواقفها من البرنامج النووي الإيراني. وثمة اعتقاد بأن الاتحاد الأوروبي لم يستطع التأقلم مع التطلع الإيراني، لصوغ استراتيجية ثابتة تستطيع استغلال الإمكانات الاقتصادية والسياسية المتاحة في إيران، باعتبارها محوراً اقتصادياً وسياسياً نامياً في منطقة غرب آسيا، ويمتلك قوة بشرية شابة، وسوقاً اقتصادية غنية في مجال النفط والغاز والزراعة، ناهيك عن كون إيران سوقاً استهلاكية كبيرة، إضافة الي موقعها الجغرافي الذي يربط الشمال بالجنوب باعتباره ممراً اقتصادياً لنقل الطاقة بين آسيا الوسطى والمياه الخليجية وأوروبا ودول شرق آسيا. وإيران التي تمتلك ثاني اعظم احتياطات الغاز في العالم بنسبة 16 في المئة، وثالث دولة من حيث احتياطات النفط 11 في المئة، تستطيع تأمين 50 في المئة من حاجة الدول الأوروبية الى الطاقة، إضافة الي انها تستطيع ان تكون بوابة الدخول الي 300 مليون يشكلون سكان دول البلقان. ومن خلال هذه الإمكانات المتوافرة، يمكن صوغ علاقة «مقبولة» بين الجانبين تستند الي المصالح المشتركة لتحقيق أهداف الطرفين، لكن انحياز الدول الأوروبية الى الموقف الأميركي «باعتبارها جزءاً من الدول الغربية»، انعكس بوضوح علي علاقاتها مع إيران، وعلي مواقفها التي «ربما» تبنتها بالإكراه مع تعاظم الدور الأميركي. هنا لا نستبعد الدور الإسرائيلي الذي مارس الضغوط علي الدول الاوروبية لاتخاذ سياسة معادية لإيران، وعمل علي إفشال محاولات لشراكة أوروبية - إيرانية، وتحديداً تلك الضغوط التي مارسها علي المانيا باعتبارها الحلقة الأضعف سياسياً في الاتحاد الأوروبي، والتي تمتلك علاقات تاريخية واقتصادية وسياسية واجتماعية مميزة مع إيران. وتمكن دراسة العلاقات الأوروبية - الإيرانية من العام 1992، عندما ادركت أوروبا ضرورة ملء الفراغ نتيجة انهيار العلاقات الإيرانية - الأميركية، إذ أصدرت بيان أدنبره المتضمن رغبتها في فتح «الحوار الانتقادي» مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وعُقدت سبعة اجتماعات مشتركة علي مستوي معاون وزير الخارجية في العواصم الأوروبية، إلا ان صدور قرار محكمة برلين في قضية اغتيال منشقين أكراد إيرانيين في مطعم ميكونوس عام 1997 أدى الي إلغاء هذه الاجتماعات، وسحب السفراء الأوروبيين من طهران. وبفوز محمد خاتمي في انتخابات الرئاسة عام 1996 بدأت صفحة جديدة من المباحثات في تموز (يوليو) 1997 أخذت إطاراً ابعد من إطار المباحثات السابقة، وتحولت من «نقدية» الي مباحثات «موّسعة وبنّاءة» حيثُ شملت هذه المباحثات قضايا الطاقة والتجارة والاستثمار والمخدرات والهجرة غير القانونية، واتفق الجانبان علي تاريخ للشراكة الأوروبية - الإيرانية، إلا أن هذا التاريخ تأثر بالملف النووي الذي لم ير النور. وبعد حوادث 11 أيلول (سبتمبر) 2001 أخذت المباحثات بين الجانبين اتجاهاً آخر لتتطرق الي البرنامج النووي الإيراني، وحقوق الإنسان، وقضية السلام في الشرق الأوسط، ومكافحة الارهاب، وهنا اقترب الموقف الأوروبي اكثر من موقف الولاياتالمتحدة. ومنذ عام 2004، وبعد ترحيل الملف النووي الإيراني الي مجلس الأمن الدولي، تأثرت العلاقات الثنائية بهذا الملف، ليكون اجتماع أيار (مايو) 2005 هو آخر الاجتماعات بين الجانبين على صعيد بحث الشراكة الأوروبية - الإيرانية... بعد ذلك تحولت الدول الأوروبية، وتحديداً فرنسا وبريطانيا، الي المطالبة بوقف البرنامج النووي الإيراني، وأيدت مبدأ العقوبات كأسلوب للضغط على إيران، ليس لوقف برنامجها النووي فحسب، بل لإجبارها علي ترك سياستها الشرق أوسطية التي تعتبرها الدول الغربية معادية. ساهمت حكومة خاتمي التي اعتمدت سياسة تعزيز الثقة في الأسرة الدولية الي الاقتراب من الدول الأوروبية، من خلال طرح نظرية «حوار الحضارات»، ونجحت «الي حد ما» في تقريب وجهات النظر وتعزيز العلاقات، خصوصاً في الولاية الرئاسية الأولى والسنتين الأوليين من الولاية الثانية «1997 – 2002». إلا أن السنتين الأخيرتين «2002 – 2004» شهدتا تحت تأثير الملف النووي، ضغوطاً مختلفة، وانتهى الأمر شبه قطيعة بعد فوز احمدي نجاد في الانتخابات الرئاسية عام 2005، فاعتمدت حكومته سياسة مغايرة عن سابقتها حيال الاتحاد الأوروبي، مستندة الي قراءتها للدور الغربي (والأوروبي) في التعاطي مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية وقضاياها وملفاتها. وتري هذه القراءة ان الدول الغربية ليست في وارد تعزيز الثقة والوصول الي قواسم مشتركة مع إيران، بقدر محاولتها تركيع طهران للتخلي عن طموحاتها السياسية والاقتصادية والتكنولوجية. وتسود المشهد السياسي الإيراني حالياً ثلاثة تصورات لآلية التعاطي مع الاتحاد الأوروبي. التصور الأول، ينظر بإيجابية ويري ضرورة الاحتفاظ بعلاقات مع الاتحاد الأوروبي، لأن طهران لا تملك خيارات أخرى، كما ان المصالح المشتركة للجانبين تستطيع ان تخدم السياسة الإيرانية، إضافة الي ان إيران تعتبر نقطة مهمة في المنطقة، وبالتالي يرغب الأوروبيون بالاحتفاظ بعلاقاتهم معها، لأن أي تقارب إيراني - أميركي محتمل، يمكن ان يؤثر سلباً في مستوي التعامل بين الاتحاد الأوروبي وإيران. التصور الثاني، وهو ينظر بسلبية الى الغرب، بما في ذلك الدول الأوروبية، ويعارض الاعتماد علي هذه الدول التي ناهضت الجمهورية الإسلامية الإيرانية، ابتداء من وقوفها مع نظام صدام حسين في الحرب العراقية - الإيرانية «1980 – 1988»، مروراً بدخولها علي خط المواجهة مع إيران أثناء قضية سلمان رشدي ومحكمة برلين في قضية ميكونوس، وصولاً الي المباحثات النووية التي شاركت فيها بريطانيا وفرنسا وألمانيا وأدت الى تعليق أنشطة التخصيب والقبول بالبروتوكول الإضافي، فأثبتت هذه الدول انحيازها الي الولاياتالمتحدة. أما التصور الثالث، فينظر الي العلاقة بشيء من الواقعية، فلا تضع إيران كل البيض في السلّة الأوروبية، ولا تتعامل مع الاتحاد الأوروبي بسلبية مفرطة، بل بناء علي المتغيرات الدولية، وصولاً الي قواسم مشتركة تخدم هذا الجانب او ذاك، لأن من غير المنطقي تصور تطابق وجهات النظر في القضايا المطروحة، الدولية منها والإقليمية، وبالتالي يجب العمل علي إطار لهذه العلاقة يستند إلي تفهم كل طرف دوافع الطرف الآخر. وثمة اعتقاد بأن الاتحاد الأوروبي لم يضع تصوراً كاملاً استراتيجياً للتعاطي مع إيران، فامتازت علاقاته بشروط فرضتها التطورات الدولية من دون ان تشهد استراتيجية واضحة المعالم. أما إيران فشهدت مرحلتين في التعاطي مع الاتحاد الأوروبي، الأولى في عهد الرئيس محمد خاتمي، والسعي الى وضع «إطار» للعلاقة بدلاً من الخوض في تفاصيلها، من خلال تعزيز الثقة الذي انتهجته الديبلوماسية الإيرانية وأدي الي تحسين العلاقات مع أوروبا، فيما شددت في المرحلة الثانية على التفاصيل، واستندت الي فكرة مواجهة الهيمنة الدولية، ودعم الحركات الإسلامية التحررية، كأسلوب للتخلص من الهيمنة، وهو ما أدى الي فتور في العلاقات الإيرانية - الأوروبية، إذ شهدت العلاقات الثنائية خلال السنوات الخمس الماضية أجواء باردة ومعقدة، رافقها تشكيك في ملفات أصبحت من المسلّمات في أوروبا، كقضية الهولوكوست، والمسؤولية الأوروبية والغربية في «صنع إسرائيل»، وهذا ما اثر سلباً في علاقات الاتحاد الأوروبي بإيران، ودفعها الى توسيع دائرة علاقاتها السياسية والاقتصادية لتشمل دول أميركا اللاتينية وآسيا وأفريقيا، بما في ذلك المتجمعات الدولية البعيدة من الهيمنة الغربية كدول عدم الانحياز.