يحذر محللون سياسيون من إرسال مزيد من قوات حفظ السلام الأفريقية إلى الصومال، كما أعلن الاتحاد الأفريقي الأسبوع الماضي، لمواجهة «حركة الشباب المجاهدين» التي نفذت أول هجوم لها خارج الصومال في أوغندا الشهر الماضي عندما قتلت 76 شخصاً في تفجيرين انتحاريين متزامنين. وكان القادة الأفارقة تعهدوا إرسال 4 آلاف جندي إلى الصومال للانضمام إلى قوة حفظ السلام الحالية التي يبلغ عديدها نحو 6 آلاف جندي من أوغندا وبوروندي منتشرين في مقديشو. وطلبوا من الدول الغربية توفير خمس مروحيات للقوة الأفريقية التي اقتصر إنجازها الأمني على حماية الحكومة الانتقالية المحاصرة في العاصمة. وعلى رغم اعتراف المحللين بصعوبة وجود حل سريع للمشكلة الصومالية التي لم تفلح محاولات العلاج المتكررة في إنهائها خلال العقدين الماضيين، فإنهم يقولون إن الحل لا يكمن في جلب مزيد من القوات الأفريقية، بل في تشجيع الحوار بين الصوماليين أنفسهم، مذكرين بأن التدخلات الأجنبية لم تنجح في حل المشكلة منذ انهيار الحكومة المركزية عام 1991 عندما أطاح أمراء حرب الرئيس محمد سياد بري ثم بدأوا التقاتل في ما بينهم. وحاولت الولاياتالمتحدة استخدام القوة في الصومال، إلا أنها منيت بفشل ذريع عندما قتل مسلحون تابعون لزعيم الحرب محمد فارح عيديد 18 جندياً أميركياً في حادثة جسدت في فيلم وكتاب «بلاك هوك داون»، كما فشلت إثيوبيا أيضاً في العام 2006 عندما تدخلت عسكرياً في الصومال لمساعدة الحكومة الانتقالية في مواجهة الإسلاميين الذين استولوا على مقديشو وأجزاء واسعة من وسط البلاد وجنوبها. وتمكنت إثيوبيا بعد خسارة مئات من جنودها من طرد الإسلاميين المنضوين تحت مظلة «اتحاد المحاكم الإسلامية» من السلطة، إلا أن المهزومين استطاعوا بعد سنتين من قتال مستمر حمل أديس أبابا على سحب جنودها. ويشير الخبير في الشؤون الصومالية في «المركز الدولي للأبحاث والدراسات» في باريس رولاند ميشال إلى أنه «نادراً ما انتصر أحد في حرب العصابات عسكرياً. لا بد من توخي الحل السياسي. ولا يعني هذا وقف النار أو حصول اتفاق لتقاسم السلطة مع حركة الشباب، لكن يجب الانتقال من السياق الحالي الذي يقوّم التقدم بزيادة عدد الجنود وعدد القتلى من عناصر الميليشيات». وكان الاهتمام الدولي بدعم الحكومة الصومالية غير الموجودة على الأرض تقريباً، تراجع كثيراً قبل هجومي «الشباب» في العاصمة الأوغندية في 11 تموز (يوليو) الماضي، بيد أن الهجومين ساعدا في إعادة هذا الاهتمام وخفوت الدعوات إلى فتح الحوار مع الإسلاميين. وقررت القمة الأفريقية التي عقدت في كمبالا الشهر الماضي إرسال مزيد من قوات حفظ السلام إلى الصومال. وسخر القيادي في «تحالف إعادة تحرير الصومال» الذي يتخذ من اريتريا مقراً له زكريا محمود حاج عبد من القرار الأفريقي، متسائلاً: «كيف يتمكن الأفارقة من إعادة الأمن إلى الصومال بينما لم ينجحوا في حل مشاكل الفقر وفقدان المياه الصالحة للشرب والجهل في بلدانهم؟ هذه أحلام يقظة. لا يمكن حل المشاكل الصومالية بإرسال مزيد من القوات». ودعا إلى «نبذ عادة التركيز على الحلول العسكرية والبحث عن تعميق ثقافة الحوار بين الصوماليين». ويعتقد محللون أن عدم تمكن أي من الطرفين من هزيمة الآخر يشكل فرصة تجب الاستفادة منها لبدء مفاوضات بينهما، كما فعل الخصوم في منطقتين في شمال البلاد هما أرض الصومال وبونتلاند اللتان تنعمان باستقرار نسبي منذ التسعينات من القرن الماضي. ويقترح ميشال إنشاء «فريق حكماء» من الدول الإسلامية والغربية لصوغ خطة تقنع المسلحين الإسلاميين بالمشاركة في مؤتمر مصالحة داخل الصومال. ويقول ل «الحياة»: «على العالم أن يعلن أن الحكومة الصومالية الحالية، حتى وإن عُدلت، ليست القناة المناسبة للمصالحة. ويمكن إتخاذ هذا الموقف على مرحلتين، فيقال إنها ليست الوحيدة، وفي مرحلة لاحقة يقال إنها ليست القناة المناسبة». ويقترح المحلل الصومالي في «مجموعة الأزمات الدولية» رشيد عبدي إضعاف «الشباب» بدعم الانتفاضات المحلية المناهضة لقمعها، «لأنها لا تحكم المناطق التي تسيطر عليها برضى الشعب، إنما بالقوة المطلقة». أما الباحث في «معهد الحوار الدولي» الذي يتخذ من جنوب أفريقيا مقراً له كيسيانغاني إمانيول، فيقول ل «الحياة» إن «اتباع النهج العسكري لحل المشكلة الصومالية ساعد في جعل الشباب أكثر تشدداً، كما زاد الأصولية في الصومال... وعلى العالم أن يدرك أن سياسته الحالية والسابقة عززت الغلو وعدم ثقة الصومالين بالغرب». ويرى أنه «إذا كان العالم يريد فعلاً منع حركة الشباب من استهداف دول الجوار ومساعدة الشعب الصومالي، فعليه أن يدخل في حوار معها ويعطي إشارة للاستعداد بقبول أي حكومة مقبولة لدى الصوماليين بصرف النظر عن انتماءات قادتها».