خاض الجيش اللبناني مواجهة غير مسبوقة ظهر أمس مع الجيش الإسرائيلي هي الأكثر خطورة منذ الحرب الإسرائيلية على لبنان العام 2006، فسقط له شهيدان و4 جرحى واستشهد صحافي لبناني هو مراسل الزميلة «الأخبار» وجرح آخر من مراسلي الجنوب (تلفزيون المنار) إضافة الى إصابة مدنيين، فيما قتل ضابط إسرائيلي برتبة مقدم، ما أدى الى استنفار أركان الدولة اللبنانية، وتكثيف الاتصالات العربية والدولية للجم احتمال توسع الاعتداء الإسرائيلي على الأراضي اللبنانية والجيش، واحتواء الاشتباكات التي وقعت على جانبي الحدود في محيط بلدتي العديسة والطيبة. ودُعي مجلس الأمن الى اجتماع عاجل بعد الظهر، في ظل عودة الحذر الى المنطقة، انتهى بدعوة لبنان وإسرائيل لضبط النفس والتزام القرار 1701 مطالباً قوات «يونيفيل» بالتحقيق في الاشتباكات التي حصلت. واكتسبت اشتباكات أمس بعداً مختلفاً هذه المرة لأنها تحصل بين الجيش اللبناني والجيش الإسرائيلي، حيث لم يتدخل «حزب الله». وفيما أصيب عدد من الجنود بينهم ضابط آخر من الجيش الإسرائيلي، وكذلك إحدى دباباته، سارعت دول عدة في طليعتها مصر وسورية الى التضامن مع لبنان الذي طالب الأممالمتحدة والدول الكبرى وقوات «يونيفيل» بالضغط على إسرائيل لوقف انتهاكاتها للقرار 1701 وقرر رفع شكوى الى مجلس الأمن على اعتداء إسرائيل. وحمَّلت الأخيرة الحكومة اللبنانية مسؤولية إطلاق النار على جنودها، وأوعز وزير خارجيتها أفيغدور ليبرمان الى بعثتها في الأممالمتحدة لتقديم شكوى ضد لبنان. ووقع الاشتباك قبيل الثانية عشرة ظهراً حين تقدمت قوة من الجيش الإسرائيلي عند الخط الفاصل التقني على حدود خراج بلدة العديسة «ضمن أراضٍ متحفظ عنها من قبل لبنان»، كما جاء في بيان للجيش اللبناني. وأوضح بيان الجيش أن قوات الأممالمتحدة حاولت منعها «لكن دورية العدو تابعت تجاوزها فتصدت لها قوى الجيش اللبناني بالأسلحة الفردية وقذائف «آر بي جي» واستعملت قوات العدو الأسلحة الرشاشة وقذائف الدبابات مستهدفة مراكز الجيش ومنازل المدنيين...». وأفادت معلومات المراسلين الصحافيين في الجنوب أن القوات الإسرائيلية سعت الى اقتلاع شجرة تقع في الأراضي المتنازع عليها، بحجة أنها تحجب كاميرات مراقبة أرادت تركيبها في المنطقة في خراج العديسة، فنبه الجيش قوات الأممالمتحدة القريبة من المنطقة والتابعة للوحدة الأندونيسية، التي طالب جنودها الإسرائيليين بالابتعاد إلا أن هؤلاء واصلوا عملهم وعمدوا الى إدخال آلية لاقتلاع الشجرة فأطلق الجنود اللبنانيون طلقات تحذيرية في الهواء لثنيهم عن ذلك فرد الجنود الإسرائيليون بإطلاق النار من أسلحتهم الرشاشة ورد الجنود اللبنانيون عليهم فاستخدم الإسرائيليون قذائف إحدى الدبابات واندلع اشتباك دام زهاء ساعة تدخلت فيه مروحية إسرائيلية من نوع «أباتشي» أطلقت صاروخين على موقع للجيش في مشروع بلدة الطيبة ما أدى الى وقوع إصابات في صفوفه. وأدى الاشتباك الى وقوع إصابات في صفوف الإسرائيليين، الذين واصلوا إطلاق رصاص القنص على الطريق الواقع بين العديسة والطيبة وكفركلا، وكذلك القذائف الصاروخية بعد أن كان الوضع هدأ لبعض الوقت. وقبيل الثالثة طلب الإسرائيليون وقف النار كي يتمكنوا من سحب جرحاهم فهدأ تبادل النار بتدخل من قوات «يونيفيل» التي أجرت قيادتها اتصالات مع الجانبين، بعدما كان جنودها احتموا داخل البلدة من الاشتباكات. واعتبر المراقبون أن الجيش الإسرائيلي أراد اختبار الجيش اللبناني من خلال هذا الاشتباك وأن الجيش ردّ بقوة. وتضرر من القصف عدد من المنازل في العديسة واشتعلت الحرائق في البساتين. ودان رئيس الجمهورية ميشال سليمان الخرق الإسرائيلي الجديد للقرار 1701 واضعاً إياه برسم الأممالمتحدة. وتلقى اتصالاً من الرئيس السوري بشار الأسد عبر فيه عن وقوف سورية الى جانب لبنان ومعتبراً أن إسرائيل تسعى الى زعزعة الاستقرار في لبنان والمنطقة. ورأى رئيس البرلمان نبيه بري أن الاعتداء الإسرائيلي رسالة واضحة ضد الجهد العربي الذي تقوده سورية والمملكة العربية السعودية لضمان الاستقرار في لبنان واستهداف للجهد العربي لإزالة آثار العدوان وجولة أمير قطر الأخيرة في الجنوب ورأى أنه ينال الجهد الدولي للتهدئة. وجرت اتصالات بين سليمان ورئيس الحكومة سعد الحريري وبين كل منهما وقائد الجيش العماد جان قهوجي. واتصل الحريري بالرئيس المصري حسني مبارك ووزير خارجيته أحمد أبو الغيط والأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى ووزير خارجية تركيا أحمد داوود أوغلو ثم بالرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، ورئيس الوزراء الأردني سمير الرفاعي، مطالباً جميع هؤلاء بإجراء الاتصالات اللازمة لردع إسرائيل عن عدوانها مطالباً بوجوب احترام إسرائيل سيادة لبنان وإلزامها تطبيق القرار 1701. مجلس الدفاع وترأس سليمان اجتماعاً للمجلس الأعلى للدفاع، باعتباره رئيسه صدر إثره بيان أشار الى «حضور وزراء الخارجية والمغتربين والمالية والداخلية والبلديات وهو في الوقت نفسه وزير للدفاع بالوكالة، وغياب نائب الرئيس (الحريري) وعضوين لوجودهم خارج البلاد، واستدعي الى حضور الجلسة قائد الجيش ومدير المخابرات». وبحث المجلس «الأمور المتعلقة بالعدوان الإسرائيلي على بلدة العديسة ومراكز الجيش فيها والذي نتج منه استشهاد عسكريين اثنين ومراسل صحافي إضافة الى سقوط عدد من الجرحى ووقوع أضرار في المنازل والممتلكات ثم استمع الى قائد الجيش حول أسباب ونتائج العدوان والوضع الحالي في الجنوب، وبعد التداول قام المجلس بتوزيع المهمات على الوزارات والأجهزة المعنية وأعطى التوجيهات للتصدي لكل عدوان على أرضنا وأهلنا وجيشنا بكل الوسائل المتوافرة مهما كانت التضحيات». وحمّل المجلس «العدو الإسرائيلي المسؤوليات الناتجة من عدوانه الذي أسفر عن وقوع شهداء وجرحى وأضرار في الممتلكات، وإعطاء تعليمات الى مندوب لبنان في الأممالمتحدة لتقديم شكوى الى مجلس الأمن ودعوته الى الاجتماع، كما أعطيت التوجيهات الى مندوب لبنان لدى مجلس الأمن، بإثارة موضوع الاعتداء في الجلسة المنعقدة حالياً في نيويورك. وأبقى المجلس مقرراته سرية، وفقاً لنص القانون». ودعا الرئيس مبارك الأطراف جميعاً الى ضبط النفس، مؤكداً حرص مصر على أمن لبنان وسيادته وسلامته الإقليمية واتصل مجدداً بالحريري وأطلعه على الاتصالات التي أجرتها القاهرة لاستعادة الهدوء في الجنوب. وأجرت الخارجية المصرية اتصالات مع الولاياتالمتحدة الأميركية وفرنسا والأممالمتحدة مطالبة إياها بالتدخل لدى كل الأطراف. ونقلت السفارة المصرية في بيروت عن الوزير أبو الغيط في اتصال الحريري معه تأكيده تضامن مصر مع الحكومة اللبنانية في مواجهة الخروق الإسرائيلية. وأعربت الحكومة الفرنسية عن قلقها من الاشتباكات. واجتمع الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة مايكل وليامز مع الرئيس بري والعماد قهوجي وأجرى اتصالات من أجل إعادة الهدوء. وليلاً نعت قيادة الجيش شهيدي الجيش في العديسة وهما الرقيب الشهيد روبير إلياس العشي (مواليد 1978 وهو متأهل وله ولد) والرقيب الشهيد عبدالله محمد الطفيلي (مواليد 1971 ومتأهل وله ولدان). ورأى المعلقون الإسرائيليون في الشؤون العسكرية أن الحادث عرضي (!) وأفادت الرواية الإسرائيلية الإعلامية للاشتباك بأن الجيش كان يقوم بعملية اعتيادية وهندسية فطالبهم الجنود اللبنانيون بمغادرة المكان بداعي دخولهم أراض لبنانية وعندما رفض الجنود الإسرائيليون أطلقت القوة اللبنانية النار في اتجاههم فردت دبابة إسرائيلية بإطلاق قذائف. ورأى معلقون أن حصول الحادث بين الجيش الإسرائيلي والجيش اللبناني وليس مع «حزب الله» يعزز فرص تخفيف التوتر. وحذر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو ووزير الدفاع إيهود باراك الحكومة اللبنانية من الاستمرار في استفزاز الجيش الإسرائيلي. ونقلت وسائل الإعلام الإسرائيلية عن نتانياهو تحذيره لبنان قائلاً إن الحكومة اللبنانية «تتحمل مباشرة مسؤولية الاستفزاز العنيف ضد إسرائيل» (يو بي أي). وقال إن الهجوم على الجنود الإسرائيليين هو «انتهاك فاضح لقرار مجلس الأمن 1701». وأضاف أن إسرائيل «ستستمر في الرد بقوة على أي محاولات لانتهاك وقف إطلاق النار وإقلاق سكانها في الشمال والقوات الإسرائيلية التي تحميهم». وحذر باراك حكومة لبنان من «الاستمرار في استفزاز» الجيش الإسرائيلي. وقال باراك إن «إسرائيل لن تتسامح مع أي اعتداءات على جنودها ومواطنيها ضمن أراضيها»، ودعا المجتمع الدولي الى إدانة «العمل الآثم الذي قام به الجيش اللبناني». وطالب باراك الحكومة اللبنانية بالتحقيق «لمعرفة من يقف وراء الاعتداء الدامي الذي وقع»، كما دعا قوات «يونيفيل» الى «أداء واجبها والعمل بحزم لمنع تكرار هذا الحادث». وفي ردود الفعل التي توالت ليلاً قال وزير الدفاع الإيطالي إغناسيو لاروسيا إن على إسرائيل ولبنان «أن يتفهما بأن خلق الظروف المناسبة لإقامة استقرار وسلام دائم يعتمد عليهما». وأشار الى أن الخطر الأكبر في لبنان «ليس من أن الوضع سيتدهور هناك بل من استمرار الوضع على ما هو عليه الى أجل غير محدود». ورأى أن حادث الأمس عرضي»، لكنه اعتبر أن ما حصل يظهر أن الوضع في لبنان ما زال غير مستقر، وما ينقص هو الخطوة الأخيرة التي لا يبدو أن الأطراف قادرون على اتخاذها إما لأنهم لا يستطيعون ذلك أو لأنهم لا يرغبون في تحويل هدنة الى سلام دائم». ورأى أن «هذه الأحداث توضح أن ما من مهمة دولية سهلة، وحتى إذا وصف البعض هذه المهمة بأنها أشبه بالمشي في متنزه، إلا أن المشاكل توجد دائماً». وقال إن بلاده لا تنوي الانسحاب من «يونيفيل» لكن على كل الأطراف المعنيين «أن يتفهموا أن وجودنا هناك لن يكون الى أجل غير مسمى». وأعرب وزير الخارجية الألماني غيدو فيستر فيللي عن قلقه بشأن الاشتباكات داعياً الى تجنب أي تصعيد بأي ثمن، وإلى ضبط النفس والتعاون مع «يونيفيل». وأوضح أن الخارجية الألمانية اتصلت بالحكومتين الإسرائيلية واللبنانية في هذا الصدد. وعبّر متحدث باسم الخارجية البريطانية عن القلق من العنف الذي حصل. وفي إيران قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية رامين مهمان برست أن إيران تتابع تطورات الموقف في جنوب لبنان، في الوقت الذي رأى رئيس لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في مجلس الشورى علاء الدين بروجردي أن الاعتداء على لبنان من قبل إسرائيل يعتبر اعتداء على جميع الدول الإسلامية. ورأى مهمان برست أن تاريخ الاعتداءات الإسرائيلية على دول المنطقة يزيد من القلق من نية إسرائيل القيام بمغامرة جديدة ضد الشعب اللبناني، لافتاً الى ضرورة انتهاج أقصى حالات التضامن والوحدة الوطنية بين اللبنانيين. ورأى أن إسرائيل تحاول من خلال مغامرتها الجديدة التغطية على الهزائم التي منيت بها ومحاولتها تصدير مشاكلها الى خارج الحدود وتحديداً في ما يتعلق بهجومها على قطاع غزة وإدانتها في قضية أسطول الحرية. ودعا المسؤول الإيراني المجتمع الدولي الى إدانة الاعتداءات الإسرائيلية واستخدام كل الوسائل للدفاع عن استقلال الأراضي اللبنانية ووحدتها. ودانت الأمانة العامة لمجلس التعاون لدول الخليج العربية «بشدة» العدوان الإسرائيلي الغاشم على الجيش اللبناني المرابط على حدوده الجنوبية «ما يشكل خرقاً للقرار الدولي 1701، واجتياز الخط الأزرق والاعتداء على الممتلكات وقصف حاجز الجيش اللبناني في منطقة العديسة». وقال الأمين العام لمجلس التعاون عبدالرحمن بن حمد العطية في بيان إن «الأعمال الإسرائيلية ضد لبنان وشعبه الشقيق تتنافى مع ميثاق الأممالمتحدة والقانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية»، معتبراً أن «الأعمال الإسرائيلية المشينة تشكل تصعيداً خطيراً للوضع في المنطقة وتتحمل إسرائيل وحدها المسؤولية الكاملة عنه».