للمرة الأولى كان أوسين بولت بطيئاً.. أثناء محاولته قيادة إحدى سيارات "ميني كوبر" الصغيرة التي يتم تحريكها عن بعد لنقل الرماح والأقراص المستخدمة في مسابقات ألعاب القوى بدورة الألعاب الأولمبية الحالية "لندن 2012" ،وذلك قبل أن يختفي بولت داخل دهاليز الاستاد الأولمبي بلندن للمرة الأخيرة بعدما أصبح أسطورة أولمبية. لكن محاولات بولت لقيادة الميني كوبر لم يلاحظها كثيرون لأن أعدادا كبيرة من الجماهير كانت غادرت الاستاد الأولمبي بالفعل بعدما صرخت وهللت في سعادة للمرة الأخيرة في هذا الأولمبياد عندما اعتلى العداء الجامايكي قمة منصة التتويج من جديد، هو وعداء المسافات الطويلة البريطاني محمد فرح الحائز على ذهبيتين بهذه الألعاب السبت. ولا شك في أن كلا العداءين كانا واجهة الأيام التسعة المثيرة من منافسات ألعاب القوى بأولمبياد لندن. ورفع فرح مستوى الإثارة لدى جماهير ألعاب القوى إلى معدلات جديدة عندما أحرز ذهبيتي سباقي 5000 متر وعشرة آلاف متر أمام جمهوره البريطاني العريض. أما بولت فقد دخل التاريخ الأولمبي من أوسع أبوابه عندما حقق إنجازا غير مسبوق بتكرار نجاحه الثلاثي للأولمبياد الثاني على التوالي حيث حافظ على ذهبيات سباقات 100 متر و200 متر والتتابع 4×100 متر بعدما قاد الفريق الجامايكي لذهبية التتابع في زمن قياسي جديد بلغ 84ر36 ثانية أول من أمس، ليرفع رصيده من الذهبيات الأولمبية إلى ست من ثلاثة سباقات في دورتين أولمبيتين متتاليتين. وكان الفريقان الجامايكي والأميركي متقاربين تماما خلال الشوط الأخير من سباق التتابع ولكن بولت ببساطة انطلق بقوة متقدماً بفارق كبير عن الأميركي ريان بايلي. وقال بولت "من الرائع دائما أن تنهي السباق بهذه الطريقة. فعلنا الأمر نفسه في العام الماضي ببطولة العالم وكان شعوراً رائعا بالنسبة لي وقتها .. كنت أعلم أننا بمقدورنا تسجيل زمن قياسي جديد". أما بايلي الذي يشارك في الأولمبياد للمرة الأولى فقال "عندما تسلمت العصا ظللت أقول لنفسي: إجري إجري إجري كما لو كنت تنجو بحياتك، ولكن أوسين بولت عملاق حقيقي. أما أنا فقد كنت أحاول أن أجري وحسب". وكان بولت بدأ مشواره في لندن وسط شكوك تحيط بمستوى لياقته البدنية وبعد هزيمته أكثر من مرة أمام مواطنه يوهان بليك، ولكنه نجح في إسكات جميع منتقديه بتسجيل أزمنة بالغة السرعة وقريبة من أزمنته القياسية العالمية، حيث قطع سباق ال100م في 63ر9 ثوان وسباق 200 م في 32ر19 ثانية. وإن كانت الأزمنة القياسية لم تشغل بال بولت كثيرا لأن كل همه كان تكرار إنجازه المزدوج بإحراز ذهبيتي سباقي العدو القصيرين للأولمبياد الثاني على التوالي لكي يصبح "أسطورة". وقال بولت "كان هذا هدفي، وقد نفذته كما يجب والآن سأجلس وأفكر في الأمر. ولكنني ذاهب إلى المدينة الليلة للاحتفال". وما زالت خطط بولت المستقبلية غير معروفة، فمن المرجح أن يعتبر بولت نفسه تقدم في السن بحلول الدورة الأولمبية المقبلة في ريو دي جانيرو عام 2016 حيث سيكون في ال29 من عمره وقتها وسط العديد من المنافسين الأصغر سنا وفي مقدمتهم بليك. لقد أحبت جماهير لندن كل لحظة ظهر فيها بولت، أحبت وقفته وابتسامته وبالتأكيد أحبت انطلاقه على المضمار حيث كان دوي اسمه "أوسين، أوسين" يتردد في أرجاء الاستاد الأولمبي كله كلما ظهر النجم الجامايكي. ورغم أن البعض هاجموا سلوك بولت الاستعراضي الذي يهدف دائما للفت الأنظار. فقد رفض سيباستيان كو، رئيس اللجنة المنظمة لأولمبياد لندن ونائب رئيس الاتحاد الدولي لألعاب القوى، هذا الأمر، وقال كو الحائز على ذهبيتين أولمبيتين في سباق 1500 م "لا أعتقد أن هناك أي مبالغة في سلوكه. بل إني أراه رائعاًَ.. لأنه يعبر عنه".