قد يؤثر قرار بريطانيا إرجاء إعلان موقفها النهائي حول بناء محطة نووية في «هينكلي بوينت» الى الخريف، في العلاقات بين الصين والحكومة البريطانية الجديدة برئاسة تيريزا ماي. وكان رئيس الوزراء البريطاني السابق ديفيد كامرون الذي استقال بعد الاستفتاء الذي جرى في 23 حزيران (يونيو) وعبر فيه البريطانيون عن رغبة في مغادرة الاتحاد الأوروبي، جعل من العلاقات مع الصين أحد المحاور الأساسية لسياسته الاقتصادية. وفي تشرين الأول (اكتوبر) 2015، استقبلت لندن بحفاوة كبيرة الرئيس الصيني شي جينبينغ في محاولة لجذب استثمارات جديدة في زمن التقشف. ومن الطاقة الى العقارات والنقل، تبدو حاجات بريطانيا كبيرة في البنية التحتية خصوصاً في الشمال الذي تريد السلطة المركزية تطويره. وأكد كامرون حينذاك أن بريطانيا «ستكون أفضل شريك غربي للصين». وأوضحت الحكومة البريطانية أن قيمة الاتفاقات التي وقعت خلال زيارة الدولة هذه، بلغت 40 بليون جنيه استرليني (47 بليون يورو). وتعهدت بكين حينذاك بأن تمول عبر شركتها الحكومية «شركة الصين العامة للطاقة النووية» ثلث مشروع عملاق لبناء مفاعلين نوويين يعملان بالمياه المضغوطة في موقع «هينكلي بوينت» جنوب غرب بريطانيا، بقيمة إجمالية تبلغ 18 بليون جنيه. وتنفذ هذا المشروع المجموعة الفرنسية «شركة كهرباء فرنسا». لكن فور إعلان مجلس إدارة «كهرباء فرنسا» الأسبوع الماضي الموافقة على إطلاق عملية البناء، أعلنت الحكومة البريطانية أنها تحتاج مزيداً من الوقت «لدرس أكثر دقة» للمشروع قبل أن تصدر قرارها النهائي مطلع الخريف. لكن بينما تحتاج المملكة المتحدة التي باتت على طريق الخروج من الاتحاد الأوروبي، الى إقامة تحالفات تجارية متينة خارج الاتحاد، يمكن أن يشكل هذا التأخير ضربة لعلاقاتها مع الصين ثاني قوة اقتصادية في العالم. وقال مدير معهد لاو الصيني في جامعة كينغز كوليدج في لندن كيري براون أن الحكومة البريطانية «خلقت مشكلة». وأضاف «بقدر ما نكون منفتحين على العلاقات التجارية حالياً، يكون ذلك أفضل لنا». وأفادت «وكالة أنباء الصين الجديدة» (شينخوا) التي تكلف غالباً نقل استياء السلطات الصينية، بأن المهلة الجديدة «تزيد الغموض» وتضر ب «العصر الذهبي للعلاقات بين الصين والمملكة المتحدة». وحذرت من أن الاستثمارات الصينية في المستقبل يمكن أن تكون في هذه الشروط، مهددة بالتعليق الى أن يتم إبرام الاتفاق النووي وفقاً للأصول. وفي الجانب البريطاني، يثير مشروع «هينكلي بوينت» شكوكاً كبيرة تتعلق بالتوزان بين النوعية والسعر وتأثيره على البيئة، والأخطار المرتبطة بأمن الطاقة بوجود الصينيين الذين يوظفون بذلك أول استثمار في قطاع على هذه الدرجة من الأهمية الاستراتيجية والحساسية في بلد غربي كبير. وما زالت نوايا ماي التي تولت رئاسة الحكومة في 13 تموز (يوليو) غير واضحة، لكن مدير مكتبها نيك تيموثي عبر في الماضي عن تحفظات على المشروع. وقال انه سيكون «من غير المفهوم» أن تقبل المملكة المتحدة بالاستثمارات الصينية نظراً الى الأخطار في مجال الأمن الصناعي. وأضاف أن الصين ستكون قادرة على إحداث ثغرات في الأنظمة المعلوماتية البريطانية «يمكن أن تسمح لها بوقف إنتاج الطاقة» إذا رغبت في ذلك. وكتب تيموثي في مدونة العام الماضي أن «أي اتفاق تجاري أو استثماري أياً تكن درجة أهميته، يمكن أن يبرر السماح لدولة معادية بوصول سهل الى أكثر البنى التحتية حساسية في البلاد». ورداً عل هذه التصريحات، أكدت «وكالة أنباء الصين الجديدة» الرسمية أن بكين «لا يمكنها القبول» بالاتهامات التي تفيد بأن الاستثمار الصيني في المملكة المتحدة يمكن أن يشكل تهديداً للأمن البريطاني، معربة عن استيائها من إرجاء قرار لندن الذي لم يكن متوقعاً حول هذا المشروع الضخم. وقال براون ان بكين يمكن أن تتفهم «الحذر المبدئي» للحكومة البريطانية الجديدة لكن موقفها يمكن أن يتغير اذا تم التخلي عن المشروع نهائياً. وأضاف «سيرون في ذلك إشارة الى ان الحذر عاد من جديد الى العلاقات بين الصين والمملكة المتحدة، وسيقعون مجدداً في فخ غياب الثقة المتبادلة». وبينما تقوم الحكومة البريطانية الجديدة بالتراجع عن إرث كاميرون، خصوصاً عبر استراتيجية صناعية جديدة تريد تحديدها، يمكن أن تشهد العلاقات الاقتصادية مع الصين تراجعاً.