تابع اللبنانيون على مدى ساعات النهار امس، وقائع حدث عربي استثنائي جرى على ارضهم وتمثل بزيارة مشتركة قام بها خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز والرئيس السوري بشار الأسد للبنان، عوّل عليها اللبنانيون كثيراً في امكان تخفيف منسوب التوتر السياسي الذي ارتفع أخيراً في بلدهم على خلفية احتجاج «حزب الله» على احتمال ان يوجه القرار الظني في جريمة اغتيال الرئيس السابق للحكومة رفيق الحريري اصابع الاتهام الى عناصر منه. والطرق التي ازدانت بصور لخادم الحرمين الشريفين وأخرى للرئيس السوري وبالأعلام السورية والسعودية الى جانب لافتات الترحيب بهما، والتي تربط ما بين مطار الرئيس رفيق الحريري الدولي والقصر الجمهوري في بعبدا، شهدت منذ صباح امس، اجراءات امنية مشددة تمهيداً لاستقبال الضيفين اللذين كان من المتوقع وصولهما على متن الطائرة الملكية السعودية في الواحدة والنصف بعد الظهر آتية من العاصمة السورية وتأخر الأمر ساعة تقريباً. وتخللت الزيارة قمة ثلاثية بين الملك عبد الله والأسد والرئيس اللبناني ميشال سليمان، وأخرى ثنائية بين الأسد وسليمان، وأخرى موسعة انضم اليها وزراء خارجية الدول الثلاث الى جانب رئيس الاستخبارات العامة في المملكة العربية السعودية الأمير مقرن بن عبد العزيز. وزيارة الأسد لبنان هي الأولى منذ اغتيال الرئيس السابق للحكومة اللبنانية رفيق الحريري في 2005. وكان حضر القمة العربية في بيروت في 2002. اما الملك عبد الله فهو اول ملك سعودي يزور لبنان منذ 1957. وكان شارك ايضاً في القمة العربية في 2002 في بيروت لكن بصفته ولياً للعهد. وكانت خمس طائرات سعودية توالت على الهبوط على مدارج مطار بيروت آخرها الطائرة الملكية، الى جانب طائرة سورية لتقل الرئيس الاسد في طريق عودته الى دمشق. وانتظر في المطار رؤساء الجمهورية سليمان (حضر بواسطة مروحية من قصر بعبدا) والمجلس النيابي نبيه بري والحكومة سعد الحريري الى جانب اعضاء الحكومة (باستثناء الوزير غازي العريضي الذي اعتذر من رئاسة الجمهورية وبعض المسؤولين السعوديين عن عدم الحضور لانشغاله بزفاف كريمته) وهيئة مكتب المجلس النيابي ورؤساء السلكين القضائي والعسكري في لبنان، وسفراء الدول العربية بمن فيهم سفيرا سورية والمملكة العربية السعودية لدى لبنان، وسفيرا لبنان لدى البلدين وسفراء عدد من الدول الكبرى، وصول الضيفين الكبيرين، وبدأت الطائرات الهبوط اعتباراً من الواحدة والنصف بعد الظهر تقل الوفد السعودي المرافق لخادم الحرمين الشريفين، اما الطائرة الملكية فحطت في الثانية والدقيقة 19. وبعد ان جهزت الطائرة بسلم كهربائي، فتح بابها وكان ينتظر في الخارج مدير المراسم في القصر الجمهوري اللبناني السفير مارون حيمري، فخرج اولاً وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل ثم المستشارة السياسية والإعلامية للرئيس السوري بثينة شعبان ووزير الخارجية السوري وليد المعلم، ثم اعضاء الوفد السعودي. ونزل الملك عبد الله وإلى جانبه الرئيس الأسد سلم الطائرة معاً، ترصد حركتهما كاميرات المحطات التلفزيونية التي كانت تبث الحدث مباشرة على الهواء، وعلى ارض المطار كان الاستقبال حاراً من قبل الرؤساء سليمان وبري والحريري، وصافح الضيفان مستقبليهما من اللبنانيين فرداً فرداً من وزراء ونواب والشخصيات الأمنية والقضائية والديبلوماسية. وقدم طفلان باقات من الزهر للزعيمين العربيين. وتوجه الملك عبد الله والرئيس الأسد الى جانب سليمان الى صالون الشرف في استراحة قصيرة ثم توجهوا في موكب كبير الى القصر الرئاسي في بعبدا (11 كلم شرق بيروت)، ووصلوه في الثالثة والدقيقة الثالثة، وكان سبقهما الى هناك وفد اعلامي سعودي وأخر سوري كبير، وأقيمت مراسم استقبال مختصرة في قاعة الرئيسة للقصر، وبعد التقاط الصورة التذكارية، توجه الجميع الى القاعة الرئيسة في القصر وجلس الملك السعودي في الوسط وعن يمينه الرئيس السوري وعن يساره الرئيس اللبناني. وتابعت الكاميرات اللقاء الذي تخلله تجاذب للأحاديث، وانضم اليهم الرئيسان بري والحريري. ثم الوزير الفيصل وشعبان والمعلم ووزير الخارجية اللبناني علي الشامي والأمير مقرن والمدير العام لرئاسة الجمهورية اللبنانية السفير ناجي ابي عاصي. وقدم سليمان وسام «الأرز الوطني» من رتبة الوشاح الأكبر (القلادة الكبرى) وهو ارفع وسام لبناني الى كل من الملك السعودي والرئيس السوري، فيما منح الأسد نظيره اللبناني وسام «امية ذي الوشاح الأكبر»، وهو ارفع وسام سوري، وجرت بينهما مصافحة حارة. في الثالثة والدقيقة 20 طلب من المصورين الصحافيين اخلاء القاعة لتعقد محادثات قمة موسعة، استمرت حتى الساعة الثالثة والدقيقة 58، خرج بعدها بري والحريري ووزراء الخارجية لتتحول الى محادثات قمة ثلاثية، بعدها خرج الملك عبد الله الى احدى القاعات في القصر وبقي الرئيسان سليمان والأسد حتى الرابعة والدقيقة 13 ثم انتقلا بعدما انضم اليهما الملك عبد الله الى «قاعة 25 أيار» حيث اقام الرئيس سليمان على شرفهم مأدبة غداء حضرها 250 مدعواً من وزراء ونواب ورؤساء البعثات العربية والإسلامية وسفراء الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن، وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة وقادة الأجهزة الأمنية والقضائية، وقاطع نواب حزب «الكتائب» الغداء، لكن وزير الحزب سليم الصايغ شارك في الاستقبال في المطار وفي المأدبة. وقبل الغداء دوّن الملك عبد الله في السجل الذهبي: «سعدنا بزيارة القصر الجمهوري في بعبدا والالتقاء بفخامة الرئيس اللبناني ميشال سليمان وعدد من مسؤولي الجمهورية اللبنانية الشقيقة والتي تأتي تتويجاً للعلاقات التاريخية المتميزة وتجسيداً للتعاون بين البلدين الشقيقين، ونعرب في هذه المناسبة عن تقديرنا لحكومة لبنان الشقيق وشعبه، وننقل لهم جميعاً اسمى مشاعر المودة والاعتزاز والتقدير من شعب الممكلة العربية السعودية، مع تمنياتنا للجمهورية اللبنانية وشعبها الشقيق بالمزيد من التقدم والأمن والاستقرار والازدهار». اما الرئيس الأسد فدوّن الآتي: «اود ان اعبر عن سعادتي الكبيرة بزيارة قصر بعبدا والجمهورية العربية الشقيقة متمنياً لفخامة الرئيس سليمان ولكل من التقيناهم من المسؤولين اللبنانيين التوفيق والنجاح، وللشعب اللبناني الشقيق دوام التقدم والازدهار، وآمل بأن نواصل العمل معاً من اجل الارتقاء بالعلاقات التي تجمع بين بلدينا الشقيقين الى المستوى الذي يطمح اليه الشعبان السوري واللبناني لما فيه خير البلدين والأمة العربية جمعاء». وغرس كل من الملك عبد الله والرئيس الاسد شتلة ارز في حديقة الرؤساء في القصر الجمهوري. محادثات ثنائية استمرت المأدبة حتى الخامسة والدقيقة 14، ووصف مشاركون فيها الأجواء ب «الإيجابية»، اذ لاحظوا ارتياحاً بدا على الزعماء وخصوصاً بين الاسد والحريري اللذين تبادلا الاحاديث والابتسامات خلال المأدبة. ولدى انتهائها غادر سليمان المكان الى احدى القاعات، وانعقدت محادثات ثنائية بين الأسد وبري، ثم قمة ثنائية ثانية بين سليمان والأسد، فيما انتقل خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله والرئيس الحريري الى «بيت الوسط» وسط اجراءات امنية مشددة. وشهدت احدى قاعات القصر اجتماعاً آخر بين الوزير المعلم وشعبان من جهة ووفد من كتلة «الوفاء للمقاومة» النيابية برئاسة محمد رعد وحضر النواب: نوار الساحلي وحسن فضل الله وعلي حسن خليل (كتلة «التحرير والتنمية» - المعاون السياسي لبري) وقاسم هاشم (كتلة حزب البعث). «بيت الوسط» ووصل موكب الملك عبد الله والحريري في الخامسة والدقيقة 23 الى «بيت الوسط» وكان في استقبال خادم الحرمين الشريفين الذي رافقه الوزير سعود الفيصل والأمير مقرن ومستشار خادم الحرمين الأمير عبد العزيز بن عبد الله بن عبد العزيز، ووزير الإعلام عبد العزيز خوجة رؤساء الحكومة السابقون: عمر كرامي ونجيب ميقاتي وفؤاد السنيورة ورؤساء الطوائف الروحيون مفتي الجمهورية الشيخ محمد رشيد قباني ونائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى الشيخ عبد الأمير قبلان وشيخ عقل طائفة الموحدين الدروز الشيح نعيم حسن ومطران بيروت للموارنة بولس مطر ممثلاً البطريرك الماروني نصر الله صفير وراعي ابرشية بيروت وجبيل للروم الملكيين الكاثوليك المطران جورج كلاس، الى جانب مطارنة الطوائف الأرمينية والكلدان والسريان ونائب رئيس المجلس النيابي فريد مكاري والنائب بهية الحريري ونقباء ووفد من بلدية بيروت ورؤساء جمعية المقاصد الخيرية الإسلامية ومؤسسات الرعاية الاجتماعية - دار الأيتام الإسلامية وأعضاء المكتب السياسي لتيار «المستقبل» والأمين العام لمجلس الوزراء سهيل البوجي، ومستشار الحريري للشؤون الخارجية السفير السابق محمد شطح والمستشار الإعلامي هاني حمود وغيرهم من المستشارين. واستمر اللقاء حتى الخامسة والدقيقة 38، وانتقل بعدها الملك عبد الله والحريري الى قاعة جانبية وعقدا اجتماعاً ثنائياً استمر حتى السادسة والدقيقة الرابعة، ثم غادر الملك عبد الله في سيارة الحريري الذي قادها متوجهاً الى المطار وسط مواكبة امنية مشددة. وفي السادسة والدقيقة 13، انتقل الجميع الى مطار بيروت تمهيداً لمراسم وداع الملك عبد الله والأسد اللذين غادرا في طائرتين منفصلتين. وكان في وداعهما الرؤساء الثلاثة. وكان اعضاء الوفدين السوري والسعودي سبقوهم بدقائق الى الطائرات المخصصة لهم، وتوجه الرؤساء الثلاثة الى جانب الأسد الى سلم طائرة الملك عبد الله فودعوه. صافحه أولاً الأسد ثم سليمان ثم بري مقبلاً وكذلك الحريري ثم صعد خادم الحرمين الشريفين سلم الطائرة الكهربائي ولدى وصوله الى بابها لوّح لمودعيه وكذلك فعلوا هم. ثم توجه الأسد وسليمان وبري والحريري الى طائرة الأسد، فودعهم جميعاً مقبلاً ثم استقل طائرته وأقلعت قبل اقلاع طائرة الملك عبدالله، بينما بقي سليمان وبري والحريري على ارض المطار منتظرين وصول امير قطر.