أطلقت وزارة السياحة اللبنانية أخيراً حملة اعلانية يبثّها معظم محطات التلفزة، تخاطب فيها اللبنانيين عموماً بأن يعاملوا السائح الذي يأتي إلى بلدهم معاملة جيدة في شكل يضاعف فرحه في الربوع اللبنانية. ويقول الإعلان الذي يظهر على الشاشات مصحوباً بمشاهد الطعام اللبناني، بما معناه، إن السائح اذا جاء و «ضحكته رطل» اجعلوه يفرح ويغادر و «ضحكته رطلين». والرطل هو وحدة قياس وزن تساوي 2.5 كيلو، وهي وحدة قياس يستخدمها القرويون في وزن منتوجاتهم من الحبوب والألبان، أثناء بيعها وشرائها. والتعبير المستخدم في الإعلان «ضحكته رطل» يستخدمه القرويون اللبنانيون أيضاً حين يريدون وصف فرح شخص ما، نظراً إلى أن الرطل أكبر وحدة قياس في نظرهم وحسبتهم، وبخاصة حين يأتيهم (الضيف) ويكرمونه ويفرح بكرمهم فتغدو ضحكته او ابتسامته «رطلاً» من كثرة الارتياح والفرح. وهذا تماماً ما تصبو إليه وزارة السياحة اللبنانية، فاستخدمت التعبير القروي اللبناني وشاشات التلفزة سبيلاً لحض عامة الشعب على إكرام الضيف – السائح، واحسان معاملته ليفرح ويطيل بقاءه في لبنان بما ينعكس مردوداً مالياً على الاقتصاد الوطني والمجتمع العليلَين. لكن الغريب في الأمر أن الوزارة توجهت الى عامة الشعب، الذي لا يحتاج أصلاً إلى من يذكّره بعاداته وتقاليده وحاجته الشديدة الى العمل والتغلب ولو الى حين على الفقر الذي لم يزل يقارعه منذ سنوات، بينما الأجدى بالوزارة ومعدّي الإعلان أن يتوجهوا إلى المتسببين في إخافة السيّاح وإبعادهم عن لبنان، وهم: السياسيون، ووسائل الإعلام بنسب متفاوتة. فالسياسيون المؤمنة مصالحهم ومداخيلهم أصلاً، هم الذي يثيرون الأزمات بتصريحاتهم النارية ومواقفهم التي لا تغير في المعادلات الدولية شيئاً، إلا أن صداها يصل الى الخارج قوياً ومدوياً فيجعل مَن خطّط للمجيء الى لبنان لتمضية إجازته يلغي حجوزاته ويذهب الى دول مجاورة. وبشهادة بعض السياسيين فإن نسبة الحجوزات تراجعت خلال الاسبوعين الماضيين بنسبة تزيد عن 30 في المئة. أما وسائل الإعلام فلا تتحمل مسؤولية مباشرة في هذا الأمر، إنما تبعيتها للسياسيين ترغمها على فتح هوائها على مداه أمام تصريحاتهم. ولا تكتفي ببثها على موجاتها الأرضية بل تبثها فضائياً أيضاً. والأغرب من ذلك أن بعض الإعلام يتماهى مع موقف القائم عليه فيزيده «ملحاً وبهاراً» مع رخامة أصوات المذيعين والمراسلين، ليعطي الموقف حجماً أوحى للناس الطامحين بزيارة هذا البلد، بأن ثمة 7 أيار جديداً سيحصل قريباً. وهنا يتحمل الإعلام مسؤولية كبيرة، بخاصة أن معظم العاملين فيه جهابذة في التحليل والقراءات السياسية ويعرفون أن 7 أيار كان انفجار وضع تراكم على مدى 3 سنوات بظروف داخلية وإقليمية، وأن لبنان راهناً بعيد كل البعد عن تلك الأجواء وليس فيه هذه الأيام إلا سياحة وطمأنينة وهدوء. والصورة التي ستبثّها محطات العالم اليوم من مطار الشهيد رفيق الحريري في بيروت أكبر دليل على ذلك... هذا هو الحدث سياسياً وإعلامياً.