مَثلَ 21 صحافياً أمام محكمة في تركيا أمس، فيما طاولت حملة «التطهير» التي تشنّها السلطات بعد محاولة الانقلاب الفاشلة، القطاع الاقتصادي للمرة الأولى، ووزارة شؤون الاتحاد الأوروبي. وكرّر الداعية المعارض فتح الله غولن نفيه اتهامات بتورطه في الانقلاب، معتبراً أن السلطة «أفسدت» الرئيس رجب طيب أردوغان. والصحافيون الذين مثلوا أمام محكمة في إسطنبول، حيث أدلوا بشهاداتهم أمام النيابة العامة، هم بين 42 إعلامياً أمرت السلطات بتوقيفهم الإثنين الماضي، فيما تبحث عن آخرين ما زالوا فارين، كما أفادت وكالة «الأناضول» الرسمية للأنباء. كما أمرت الحكومة لاحقاً بتوقيف 47 إعلامياً. وأعلن وزير العمل التركي سليمان صويلو أن بلاده تحقّق مع 1300 من موظفي وزارته في شأن المحاولة الفاشلة. وفي تطوّر لافت، أفادت «الأناضول» بأن الشرطة أوقفت في مدينة قيصري أمس رئيس مجلس إدارة شركة «بويداك» القابضة مصطفى بويداك، ومسؤولَين تنفيذيَّين في الشركة، هما شكرو بويداك وخالد بويداك، وذلك في إطار تحقيقات مع «جماعة أتباع غولن الإرهابية». وأشارت إلى أوامر بتوقيف ستة من أفراد عائلة بويداك، في ما يتعلّق بمزاعم بتمويل جماعة الداعية. وعمليات التوقيف هذه هي الأولى في الأوساط الاقتصادية، بعدما طاولت على نطاق واسع الجيش ووسائل الإعلام والقضاء والتعليم. ولمجموعة «بويداك» مصالح في الطاقة والمال والأثاث، علماً أن مصطفى بودياك يشغل أيضاً رئاسة غرفة التجارة في قيصري، وهي مدينة تشهد نمواً متسارعاً وتُعتبر جزءاً من بلديات تعرف ازدهاراً، منذ تسلّم أردوغان الحكم عام 2003. وأفادت وكالة «دوغان» الخاصة للأنباء بأن الادعاء في مدينة إزمير أمر بتوقيف 203 شرطيين، في إطار تحقيق مع جماعة غولن، فيما جمّدت وزارة شؤون الاتحاد الأوروبي عمل 16 شخصاً، وعزلت ستة. وأعلن وزير الداخلية إفكان ألا أن السلطات اعتقلت أكثر من 18 ألف شخص بعد محاولة الانقلاب، بينهم 9677 احتُجزوا رسمياً في انتظار محاكمتهم. وأشار إلى إلغاء جوازات سفر حوالى 50 ألفاً، منذ الانقلاب. الجامعات واستهدفت حملة «التطهير» في شكل خاص، مؤسسات التعليم العالي، إذ أغلقت السلطات 15 جامعة خاصة وأرغمت 1577 من عمداء الكليات العامة والخاصة على الاستقالة، وأوقفت أو فصلت عدداً ضخماً من الأساتذة والأكاديميين، أو منعتهم من مغادرة تركيا. ونقلت وكالة «فرانس برس» عن خبيرة في التعليم العالي، تحاضر في جامعة غلطة سراي في إسطنبول، قولها: «الناس يفضّلون تجنّب الحديث عن الأمر. الخوف يتملّكهم. الباحثون المرسلون إلى الخارج اضطُروا للعودة» للخضوع لتحقيق. وأشارت إلى «مناخ خوف وقلق»، اعتبرته «سيئاً جداً بالنسبة إلى الحرية الأكاديمية، وحرية الفكر والبحث العلمي». ودان مؤتمر رؤساء الجامعات في فرنسا «تدميراً منظماً» للجامعات التركية، مشيراً إلى أن «مؤسسات قررت، لأسباب أمنية، الامتناع عن إرسال طلاب إلى تركيا». وأصدرت جامعات في بلجيكا وكندا قراراً مشابهاً. وأشارت الخبيرة إلى «فتح جامعات في طول البلاد وعرضها»، مضيفة انه طيلة عقد «أوصل أردوغان خرّيجي مدارس غولن إلى الكليات، بدل أنصار حزب العدالة والتنمية الذين لم يحصلوا على التعليم». ولفتت إلى أن نفوذ أنصار غولن «ليس وهماً»، مستدركة أنهم «لا يعلنون انتماءهم». وأقرّت مدرّسة في جامعة بوسفور الحكومية في إسطنبول، وهي أعرق جامعات تركيا ويُعرف الأكاديميون فيها بحرية الفكر وسيرهم على نهج مصطفى كمال أتاتورك، بأن «تطهير» الجامعات في تركيا ليس جديداً، مستدركة: «هذه المرة تجرى العملية في شكل رسمي. ما يَحدث خطرٌ جداً». وقال أستاذ القانون إبراهيم كبا أوغلو: «عشنا اكثر من 30 سنة تحت حكم العسكر، وكانت إجراءات الفصل تستهدف الأساتذة، لكننا نشهد هذه الممارسات للمرة الأولى في ظل النظام الدستوري». جماعة غولن إلى ذلك، أعلنت ناطقة باسم جماعة غولن في هولندا أن أنصار الداعية في البلاد يخشون على سلامتهم، بعد تلقّيهم عشرات من التهديدات بالقتل إثر محاولة الانقلاب، وتعرّضهم لهجمات بقنابل حارقة، ولعمليات تخريب واعتداءات جسدية. وتحدثت عن «صيد ساحرات»، ورأت في الأمر «مؤشرات إلى تدخل أردوغان في هولندا، وتهديد حريتي وسلامتي». وكرّر غولن نفيه تورطه في الانقلاب، وأجاب عن سؤال لصحيفة «كورييري دي لا سيرا» الإيطالية عن سبب تراجع علاقته بالرئيس التركي، قائلاً: «يبدو أن السلطة أفسدته بعد بقائه في الحكم لفترة طويلة جداً». في السياق ذاته، ردّت قرغيزستان بعنف على تحذير تركيا من «محاولة انقلاب» ينفّذها أنصار غولن على أراضيها، بعد «تسلّلهم إلى كل مؤسساتها». إذ ذكّرت وزارة الخارجية في قرغيزستان بأن بلادها «دولة مستقلة وذات سيادة»، ورفضت إملاء سياسات عليها «من خلال لغة الإنذارات والابتزاز». في المقابل، أمرت محكمة في أذربيجان بإغلاق شبكة تلفزة محلية، بعد بثّها مقابلة مع الداعية. إلى ذلك، جدّد المفوض الأوروبي لشؤون التوسيع يوهانس هان تحذيره تركيا من «عواقب» للتدابير التي اتخذتها بعد الانقلاب، على مفاوضات عضويتها، فيما اعتبر وزير الخارجية الألماني فرانك فالتر شتاينماير أن ما تفعله أنقرة «يتجاوز كل حدود» و «لا يمكن السكوت» عليه. وتابع: «فيما تجنّبت تركيا السقوط في هاوية، يبدو وكأن البلد يتّجه نحو أزمة داخلية خطرة».