يبدو أن التلفزيونات المحلية والعالمية اقتربت من مأزق جديد سيساهم في رمي أعباء ومصاعب عدة عليها. فالتطور التكنولوجي الذي دخل إلى هذا القطاع متمثلاً بشركة «يوتيوب» في 2005، اختطف جزءاً من الوهج التي كان التلفزيون يحظى به. وتضاف خدمة البث المباشر التي أطلقها موقع «فايسبوك» أخيراً إلى قائمة الأخطار التي تهدد بقاء التلفزيونات في العالم، إذ استطاعت هذه الخدمة رغم بدائيتها حتى الساعة، انتزاع الحق الحصري الوحيد الذي تملكه التلفزيونات في مواجهة مواقع التواصل. وبالنظر إلى تاريخ التلفزيون وتعامله مع وسائل التواصل الاجتماعي، لا يمكن إلا ملاحظة غزو الأخيرة التلفزيونات في شكل عام لتحوّلها من ناقل أول ومصدر الحدث، إلى ناقل ثانٍ، وفي بعض الأحيان ثالث للأحداث. فالجماهيرية التي دخلت إلى الإعلام من خلال وسائل التواصل، وسهولة إعداد أي مادة اعلامية وإنتاجها من دون أي خبرة مسبقة وبثها على شبكات التواصل، سحبت البساط من التلفزيون وجعلته ناقلاً ما تبثه وسائل التواصل. لكن احتكار البث المباشر من جانب التلفزيونات في السنوات السابقة، هو ما حافظ على صمودها في وجه الغزو التواصلي، خصوصاً أن معدات هذا البث وتقنياته ليست متاحة للعموم. أما مع هذه الخدمة من «فايسبوك» وغيرها من الشركات الرائدة ك «تويتر» و «غوغل»، فإن البث المباشر تحول أيضاً إلى الجماهيرية. وتمكن في هذا السياق الإشارة إلى ثلاثة أحداث بالغة الخطورة حدثت في الأسابيع القليلة الماضية، أولها المقابلة التي أجراها مؤسس الموقع الأزرق مارك زوكربرغ مع رواد الفضاء، إضافة إلى مجريات الدوري الأوروبي، وأخيراً وليس آخراً الاعتصام الذي قام به نواب أميركيون في مجلس النواب وعجز الإعلام عن تغطيته. في الحدث الأول، تمكن «فايسبوك» ولأول مرة من تنظيم مقابلة على الهواء مباشرة بين المقر الرئيسي في سان فرانسيسكو وبين رواد فضاء موجودين في محطة الفضاء الدولية. وتضمن اللقاء مجموعة من الأسئلة التي طرحها زوكربرغ على رواد الفضاء ليجيبوا عنها في شكل مباشر. الحدث الثاني الرئيس، تمثل في الدوري الأوروبي. فنظراً إلى عدم توافر البث لدى الجميع، خصوصاً في العالم العربي نظراً إلى احتكاره من إحدى شركات البث، عمدت صفحات عدة على موقع «فايسبوك» إلى البث مباشرة منذ صافرة البداية إلى صافرة النهاية، لتُمكن رواد الموقع الأزرق من مشاهدة المباراة من دون الحاجة إلى دفع الاشتراك المطلوب من المحطة. ثم جاء بث الاعتصام الذي بث على شبكة «فايسبوك» و «بيريسكوب» مباشرة، والذي نفذته مجموعة من النواب الديموقراطيين لحض مجلس النواب على إقرار قانون ينظم السلاح ويمنع الأشخاص المشتبهين بالإرهاب من شراء الأسلحة الأوتوماتيكية، بعد أن قرر المجلس إغلاق الكاميرات داخل قاعة مجلس النواب. هذه الأحداث وغيرها مما يتم تداوله في شكل يومي، تُمهد الطريق أمام زوال التلفزيون في الشكل الذي نعرفه، إذ تقتصر المهمة الرئيسة للتلفاز اليوم على نقل الأخبار في شكل مباشر، خصوصاً أن غالبية الأفلام وغيرها من الإنتاج السينمائي أصبحت تُعرض مباشرة على شبكة الإنترنت من دون عناء الانتظار. ومن خلال هذه الخدمة التي أطلقتها مواقع التواصل، وما زالت قيد التطوير، وآخرها قرار «فايسبوك» تمكين أصحاب الصفحات الموثقة والمواقع الإخبارية من إجراء بث مباشر مع شخصين أو أكثر لتتم إتاحة هذه الخدمة بعد ذلك إلى عموم مستخدمي الموقع، إضافة إلى قرار «يوتيوب» إتاحة البث من الهواتف المحمولة، تصب في مصلحة مواقع التواصل على حساب شبكات التلفزة. واضطرت شبكات التلفزة أيضاً إلى ركوب هذه الموجة تماشياً مع العصر، رغم أن ركوبها يعني إقراراً ضمنياً بفشلها وعجزها عن تقديم منصة خاصة بها تميزها عن وسائل التواصل. فعلى سبيل المثل لا الحصر، قررت شبكة «سي أن أن» الأميركية أن تبث مباشرة عبر «فايسبوك» خلال تغطية مراسلتها تصويتَ بريطانيا على الخروج من الاتحاد الأوروبي، مجيبة عن أسئلة المستخدمين مباشرة. وهو ما يعني أن «فايسبوك» استطاع هزيمة الشبكة الأميركية في سرعة الخبر وسهولة نقله نظراً إلى أن كل ما احتاجته لنقل العملية تمثل في هاتف نقال. إلى ذلك، ستلعب سوق الإعلانات دوراً رئيساً أيضاً في ضمور التلفزيونات العالمية، إذ اشار تقرير صادر عن «مكتب الإعلانات التفاعلية» إلى أن نسب الإعلانات الإلكترونية في 2017، ستتفوق وللسنة الأولى في تاريخها، على الإعلانات التلفزيونية. وتوقع التقرير ارتفاع إيرادات الإعلانات التلفزيونية في الولاياتالمتحدة من 69.9 بليون دولار في 2015 إلى 81.7 بليون في 2020، بنسبة نمو سنوية تصل إلى 3.2 في المئة لتسجل الإعلانات الإلكترونية نسبة نمو أكثر من 3 مرات: من 59.6 بليون دولار في 2015 إلى 93.5 بليون في 2020. ويشير إلى أنه في 2017، ستصبح إيرادات الإعلانات الإلكترونية لأول مرة أعلى منها في قطاع التلفزيون. وستسجل إيرادات الإعلانات التلفزيونية في العام المقبل، 70.4 بليون دولار، في حين ستسجل إيرادات الإعلانات الإلكترونية 75.3 بليون دولار. والحال أن التلفزيون دخل في مرحلة التغير والاندماج في وسائل أخرى مختلفة عن الشكل الذي تعودنا عليه فيه، خصوصاً أن 77 في المئة من الأوقات التي تتم مشاهدة التلفزيون فيها، يتم استخدام جهاز ذكي آخر بالتلازم هو في أغلب الأحيان الهاتف الذكي.