بيروت التي وصفها الشاعر الفلسطيني الراحل محمود درويش، ب «الخيمة» نظراً لاحتوائها عدداً كبيراً من اللاجئين الفلسطينيين منذ العام 1948 وفتحت لهم شوارعها وبيوتها ومكتباتها ودور النشر ودور الثقافة ومقاهيها، تقع اليوم في مشكلة كبيرة حيث فاق عدد اللاجئين السوريين على أراضيها قدرتها على استيعابهم مادياً واجتماعياً وصحياً وتربوياً. قد تكون بيروت اليوم عاجزة عن تلبية حاجات كل هؤلاء اللاجئين، لكن يمكنها على الأقل احترام حقوقهم كبشر وعدم ممارسة العنصرية ضدهم مهما كانت الظروف. تلك المدينة التي ينقسم سياسيوها وأحزابها حول قضية حقوق اللاجئين، يتّهمها البعض بممارسة العنصرية ضد أي آخر يسكن فيها بدءاً من العاملات والعاملين الأجانب وصولاً إلى اللاجئين. لكن أفعال الأشخاص العنصرية ضد الغير، لا تمثّل كل البيروتيين ولا كل اللبنانيين. من هنا تأتي أهمية عقد مهرجان «كرامة بيروت لأفلام حقوق الإنسان» في دورته الأولى في بيروت، بدءاً من 21 تموز (يوليو) الجاري. هذا المهرجان الذي يعقد تحت عنوان «الآخرون»، هو بمثابة وقفة تضامنية مع كل آخر تعرّض للإساءة من أي شخص على الأراضي اللبنانية، كما أنه يؤكد أن اللبنانيين ليسوا عنصريين وإن أخطأ البعض عن قصد أو عن غير قصد. وهو يزيد الوعي حول حقوق الإنسان عامة، والتعامل مع الغرباء أو المهاجرين أو أي آخر. تتمحور أفلام المهرجان القصيرة والروائية الطويلة والوثائقية حول «العلاقة مع الآخر والعنصرية ضده والخوف منه خصوصاً مع تفاقم أزمة اللاجئين السوريين وغير السوريين»، كما قال مدير المهرجان المخرج اللبناني هيثم شمص في مؤتمر صحافي عقد أمس في سينما ميتروبوليس في بيروت. على أن تتمحور أفلام الدورة المقبلة على العنف ضد النساء. وقال شمص: «الفكرة ولدت بعد نجاح مهرجان كرامة في الأردن الذي يقام منذ ستة أعوام»، مشيراً إلى أن هذا النشاط جزء من شبكة عالمية لمهرجانات أفلام حقوق الإنسان مرتبطة بمهرجان «موفيز ذات ماترز» الذي تنظمه منظمة العفو الدولية. وأوضح شمص أن «هذه المبادرة تهدف إلى زيادة الوعي في مجال حقوق الإنسان حيال الأمور التي نصادفها يومياً». يفتتح المهرجان الذي يقام في صالات سينما متروبوليس في بيروت بفيلم «منازل بلا أبواب» للمخرج السوري الأرمني آفو كابريليان، الذي عرض للمرة الأولى في مهرجان برلين السينمائي. ويصور الفيلم حي الميدان الذي تقطنه مجموعات كبيرة من الأرمن في حلب خلال فترتين زمنيتين مختلفتين. ويركز المخرج كاميرته على شرفة منزل عائلته المطلة على الشارع، مصوراً التغيرات التي شهدها الحي على مدى ثلاثة أعوام منذ 2012 وحتى العام 2015. وفي 22 تموز يناقش المحامي المتخصص بالدفاع عن حقوق الأقليات نزار صاغية ومؤسس الرابطة السورية للمواطنة حسان عباس والباحثة والخبيرة في سياسات التنمية الناشطة الحقوقية اليمنية رشا جرهوم، موضوع المهرجان «الآخرون». كذلك يعرض فيلم «أرق» لديالا قشمر ومجموعة من الأفلام التحريكية. وسيكون الجمهور على موعد مع فيلم «قصة حب سورية» للمخرج البريطاني شون ماكاليستر الذي صوره على مدى أربعة أعوام في سورية. ويختتم المهرجان في 23 تموز الجاري، بعرض مجموعة من الأفلام في إطار» سفريات السينما» عن الحدود المغلقة بين البلدان العربية لا سيما بين لبنان وسورية والأردن. ويعرض للمرة الأولى «أصوات من الظل» لديما الجندي عن ثلاثة فنانين سوريين يعيشون حالياً في لبنان يعملون في الدوبلاج والموسيقى ويبحثون عن إمكان لجوئهم إلى أوروبا. كذلك تعرض في المهرجان مجموعة أفلام تتطرق إلى موضوع الحدود المغلقة والحصار ومن بينها «حب في الحصار» الذي نال جائزة سمير قصير للسوري مطر إسماعيل، و فيلم «سايبة» لباسم بريش ويروي قصة بقرة تعبر الحدود من إسرائيل إلى لبنان. ويختتم بفيلم فنلندي عنوانه «الغضب الأبيض» وهو عمل وثائقي درامي للفنلندي أرتو هالونن يعالج المضايقات في المدرسة وارتباط السلوك الإجرامي لدى الأشخاص بالمضايقات التي تعرضوا لها من أقرانهم خلال الطفولة. ويقام «مهرجان كرامة بيروت لحقوق الإنسان» بدعم من جهات عدة من بينها برنامج الأممالمتحدة الإنمائي والسفارة السويسرية في بيروت والصندوق العربي لحقوق الإنسان، والدخول إليه مجاني.