تراجعت اخبار الاعتداءات التفجيرية في القوقاز الى مراتب متأخرة. اذ ثمة عدو «إرهابي» أقوى، شنّ الحرب على روسيا بضراوة لم تعرفها البلاد منذ اكثر من مئة سنة. بلاد الثلوج والمعدلات القياسية في درجات الحرارة المتدنية تكافح في مواجهة اسوأ موجة حر حصدت في اسابيع اعداداً من الضحايا يفوق بأضعاف خسائر روسيا في بعض الحروب. وقال احد الصحافيين ان الروس عندما فاجأتهم موجة الحر تحرروا من منازلهم... وملابسهم. وقد يكون هذا سبب ارتفاع معدلات حوادث السير في البلاد بنحو ضعفي المعدلات العادية لهذه الفترة من العام. وهو امر حير في البداية، شرطة السير التي قالت ان درجات الحرارة ليست المذنب الاساسي ونصحت السائقين بتركيز انظارهم على الطرقات وليس على ما حولها! لكن ذلك صعب، في رأي المعلق ذاته. فملايين الروس ينتشرون في حدائق موسكو والمدن الأخرى وعلى ضفاف انهارها وبحيراتها. وحتى النوافير في الحدائق العامة لم تسلم، لأن هجوم الهاربين من الحر حوّلها بركاً للسباحة طول النهار. واشتكت جهات متخصصة من عدم خضوع اللاجئين الى مياه البحيرات والبرك الاصطناعية لتحذيرات تفيد بخطورة السباحة في بعض المناطق. انها اسوأ موجة حر تضرب البلاد منذ 130 سنة بحسب مراكز الرصد. وهذا لا يعني ان روسيا لم تشهد اياماً حارة في سنوات كثيرة، لكن المقصود استمرار موجة الحر لأسابيع متواصلة من دون ان تتراجع معدلات الحرارة عن 32 درجة مئوية، وهو أمر حدث في تاريخ البلاد آخر مرة عام 1879. وهجوم الصيف هذا العام حطم ارقاماً قياسية اخرى، منها اعلى معدل لدرجات الحرارة في تاريخ روسيا. وكان الرقم السابق سجل عام 1936 وبلغ 36.6 درجة مئوية، في مقابل 37.5 وهي درجة الحرارة في الظل بحسب الارقام الرسمية التي اعلنتها مراكز متخصصة في الايام الماضية. وقد يبدو الرقم متواضعاً بالمقارنة مع المناطق الحارة عادة، لكنه غدا «كارثياً» بالنسبة الى روسيا، كما تدل المعطيات المتزايدة عن الخسائر. والضحايا كثر، ومنهم مئات ماتوا غرقاً اثناء محاولتهم قتل الحر بالسباحة. وقالت مصادر متخصصة ان الاسبوع الماضي وحده كان مأسوياً لأن معدل الغرقى فيه بلغ خمسة اشخاص يومياً في موسكو ومحيطها. ومنهم من قضى بسبب عدم تحمل درجات الحرارة المرتفعة، وغالبية هؤلاء من المسنين. وبحسب مسؤول في وزارة الصحة، ارتفعت حالات استدعاء الاسعاف منذ النصف الثاني من حزيران (يونيو) ثلاثة اضعاف، لتبلغ زهاء عشرة آلاف اتصال يومياً. ما دفع المستشفيات الى اعلان حال طوارئ والغاء العمليات الجراحية غير المستعجلة للتفرغ لخدمة ضحايا الحر. اما الأسوأ فهو اكتظاظ مراكز حفظ جثامين الموتى التي لم تكن مجهزة لاستقبال اضعاف المعدلات العادية للوفيات. واشتكت موظفة في المركز الذي يحمل الرقم اربعة في موسكو من ضعف الإمكانات لمواجهة ارتفاع عدد الموتى نحو ضعفين عن المعدل الطبيعي، و «ليست لدينا مكيفات ولا حتى مروحيات هوائية... الوضع صعب للغاية». ولم تسلم البنى التحتية من الهجوم العنيف، اذ حذرت جهات رسمية من تعرض بعض المنشآت لمشكلات بسبب الارتفاع القوي للحرارة، كما ابلغت وزارة الطوارئ عن تعطل 300 مصعد وقع في بعضها عدد من الوفيات. ويبدو الوضع اشبه بهجوم إرهابي، إنما من فعل الطبيعة كما علق أحدهم، إذ قتل 12 شخصاً خلال الاسبوع الاخير في ريف موسكو، تأثراً بسم لدغات الثعابين والزواحف التي دفعتها درجات الحرارة العالية لمهاجمة الساكنين في منازلهم الريفية التي يلجأون اليها في الصيف عادة. كما افادت سيدة تعمل في متجر لبيع الحيوانات الأليفة ان آلاف الاسماك الذهبية النادرة نفقت بسبب الحر. اما على المستوى الاقتصادي فتبدو روسيا مقبلة على مراجعة توقعاتها للمحاصيل الزراعية، بعدما ضربت موجة الحر محاصيل القمح والبذور في غالبية مناطقها، ما يهدد بأزمة حادة، خصوصاً مع احتمال ارتفاع جديد في اسعار الخبز. ولأن «مصائب قوم عند قوم فوائد»، احتفل صانعو وموردو المثلجات والأيس كريم هذا العام بموسم غير مسبوق منذ عشرين سنة. وبلغت مبيعاتهم خلال الشهرين الأخيرين وحدهما ضعفي مجموع المبيعات في عام 2009 كله.