الاثنين 19/7/2010: لينة كريدية تدخل لينة كريدية نادي الرواية اللبنانية مع عملها الأول «خان زادة» (منشورات دار الآداب - بيروت)، وبطاقة الدخول لغة حيوية تجمع في شفافيتها الأشياء والخيالات وحركة الواقع. نحتفل ب «خان زادة» على رغم ترجحها بين سير ثلاث صديقات وسيرة عائلة بعينها من عائلات بيروت الأصيلة. وبيروت الرواية تدخل عالم الحداثة من خلال نسائها، فتتحمل الفتيات الثلاث الصدمات، خصوصاً في علاقات الحب والانفتاح في المدرسة وفي مجتمع تتداخل فيه أقوام وثقافات. يكفي هنا حضور الجسد ومتطلباته ومظاهر الفشل أو الإذعان في علاقات الحب والزواج. وتتقدم المدينة على الفتيات الثلاث في الحضور الروائي، بيروت العاصمة حيث الناس يفخرون ببلداتهم وقراهم ويحتكرونها فيما يشاركون أهل بيروت مدينتهم ويعرقلون احتكارهم إياها. إشكالية يختص بها لبنان الذي لم يتوحد شعبه في علاقة بين المواطن الفرد والدولة. هناك دائماً وسيط لا بد منه يتمثل في الطائفة أو المنطقة أو البلدة أو القرية: «وبيروت مدينتي: طفولة ومراهقة وشباب. تمزقت بهجتها بكل أشكال العنف، من حروب طائفية وأهلية ومعارك أزفة، وتصفية الفصائل الفلسطينية بعضها بعضاً، وتدخل جميع أنظمة العالم ودعمها المالي للميليشيات المتناحرة، والاغتيالات، والاجتياح الإسرائيلي، احتلال مقنّع، حروب الغاء وتحرير، اقتتال أبناء المذهب الواحد والطائفة الواحدة، عداوة الحلفاء وصداقة الأعداء. كل شيء مر على بيروت وعلينا. عند اشتداد الأزمات لا يبقى في بيروت سوى أهلها الأصليين. من لا قرى لهم يلوذون بها. بيروت بطبيعتها الجغرافية المحاصرة بالبحر والمطار والجبل والمنطقة الشرقية، تعود ضيعة (قرية) في هذه الأوقات، وتتقوقع على عائلاتها وتقاليدها وعاداتها، وترتاح من الغرباء - الغرباء الذين يُعرفون على الفور من أسماء عائلاتهم». بيروت بطلة رواية «خان زادة»، عائلة تطرد أبناءها المأخوذين بتطرف الحداثة ثم تسترجعهم في أرذل العمر الى كنفها الرحيم. تعيش العائلة حال وداع لعادات وتقاليد. يتحول البيت التقليدي ذو الحديقة الى بناية يتجاور فيها الأبناء والأحفاد، وتستحيل الى ذكرى طقوس في النزهة والسهر والطعام، لعل أبرزها «أربعاء أيوب» التي يحار الناس في أصولها. نزهة ربيعية في أعالي رأس بيروت مصحوبة بأطعمة خاصة واحتفال بالزهر يذكر بنيروز آسيا القريبة واحتفالات شم النسيم المصرية. صعوبة أن تعيش المرأة مستقلة، ومغامرة العيش في أرق الحروب، تلك هي رواية «خان زادة» التي تستحق احتفالنا بروائية لبنانية جديدة. الثلثاء 20/7/2010: طرقات الطريق تشق الغابة سكيناً عريضة يعلوها الزنجار. والطريق تشق الجبل كهفاً مفتوح الجانبين. والطريق السريعة بسياراتها الكثيرة، نمل يدبّ على خطوط منتظمة. والطريق في الجزيرة الصغيرة، معراج النعاج الى القمة. والطريق في البحر خريطة واحتمالات غياب. الأربعاء 21/7/2010: عباس بيضون جسد الشاعر عباس بيضون صمد في وجه الحديد فلم تتمكن منه السيارة المسرعة في شارع كان معبراً بين بيروت وبيروت. هو أكثر من جسد، لأنه القصيدة أيضاً، فشعر عباس بيضون عضوي أكثر منه تجريداً، شعر اللحم والعظم والدم والنبض وأشياء الولادات ومصائر المواليد. لم ينتبه شعراء السبعينات الى أن واحداً منهم استغرقه النضال السياسي سينشر قصيدتين قصيرتين في غمرة المقالات المتأججة لمجلة «الحرية» ثم يغيب طويلاً الى أن يحضر في «قصيدة صور»، الوسيطة، تمهد لطفرة/ علامة في الشعر العربي الراهن. قصائده المعجونة في كيانه العضوي خارج القاموس التقليدي والقاموس المجدد. يهبط القلب لمحنة الشاعر الصديق ويفرح بنجاته، هذا الذي تنتظره الأوراق البيضاء ومسار التجديد والوعي النقدي وصوت القصيدة يعلو على فساد حياتنا، يعلو بنقد وباعتراف وبتطهير سئم ادعاءات الالتزام والملتزمين. كانت وفاة والد عباس بيضون بصدمة سيارة. وأحال الابن الوفاة الى القدر فلم يدّع قضائياً على السائق المتسبب. وفي إحدى التظاهرات، علامة جيلنا، كنا نهتف وعباس معنا. اقترب السائق فأبعدته: اذهب لتتظاهر حيث لا نراك. ليس الشاعر ملاكاً. وعباس أبعد ما يكون عن ملائكة وشياطين. إنه نبض عضوي يؤلف إشراقاً، يمر على الأشياء الداخلية والخارجية فيحولها ملاحظات جمالية. السلامة لعباس بيضون. الخميس 22/7/2010: التحدي الثالث يمر لبنان في مرحلة التحدي الثالث لكيانه، كان الأول مع الموجة الطاغية للوحدة الناصرية عام 1958، والثاني نتائج هزيمة حزيران (يونيو) 1967 التي تفاعلت منذ عام 1975 في حروب داخلية مديدة تداخل فيها الانتشار العسكري الفلسطيني بالاجتياحات الإسرائيلية وبالوجود السوري العسكري والأمني. أما التحدي الثالث فهو تعرض المقاومة اللبنانية الى مناهضات والتباسات ليست إسرائيل وحدها مصدراً لها إنما أيضاً غالبية دول العالم المناهضة لإيران النجادية المستأنسة بعزلتها. عبء كبير، ولكن، هناك أمل، لأن معنى لبنان أعمق من المعبرين عنه. يبدو في منتهى الضعف فإذا هو في منتهى القوة، لبنان أهله الذين لا نعرفهم، يعرفوننا جيداً ويناضلون ليبقى فيما هم يغفرون. الجمعة 23/7/2010: من هدايا الجابري أعاد محمد عابد الجابري نشر الكثير من محتويات مجلته «فكر ونقد» في سلسلة كتب عن «الشبكة العربية للأبحاث والنشر» في بيروت. ولم تتح له رؤية الكتاب الثالث من السلسلة الذي صدر في عنوان «التواصل: نظريات وتطبيقات». حضور متجدد لجهود المفكر المغربي الراحل نقتطف منه هذا المقطع من فصل «إسهامات أرسطو في مسألة التواصل الفني» بتوقيع أحمد طايعي، والكلمات داخل المزدوجين في المقطع مأخوذة من كتاب أرسطو «من الشعر»: «من باب تحصيل الحاصل أن نشير الى كون الاهتمام بالاستعداد النفسي للمتلقي مثّل، لدى أرسطو، جوهر نجاح العملية التواصلية. إن أرسطو ينصّب نفسه مدافعاً عن رغبات المتلقي و «ممكناته». فعلى المبدع، وهو يشكّل وينحت آفاقاً وتصورات لإبداعه الفني، أن يكون على وعي تام بأن أي استجابة لهذه الآفاق وهاتيك التصورات لا يمكنها التحقق إذا لم تأخذ في الاعتبار نداءات المتلقي الذي يحمل من التوقعات عن إبداع المؤلّف ما يجعله، إما رافضاً له، وإما متفاعلاً معه، منصهراً في بوتقته، محققاً بذلك أكبر متعة جمالية. والمبدع ملزم «أن يبيّن للمستمع أن الأمور التي يعرضها عليه لا تختلف في صورتها عن تقديره لها»، وذلك لأن إحساس المتلقي بمتعة جمالية كبيرة لا يحصل إلا عندما يكون «أمام الأشياء المأمولة (التي) تظهر له بمظهر ما سيمدّه حتماً بأكبر لذّة... في غير مشقّة أو ألم». لكن، هل يفيد هذا ان كل ما أضاع هذا الاستعداد النفسي، أو ما انزاح به الى استعداد مضاد، يخلق غياب الإحساس بالمتعة لدى المتلقّي؟ الأمر قد يفهم كذلك، لكننا نسارع، مع أرسطو، الى تأكيد العكس، ما دام أن الاستعدادات المضادة المتولّدة في نفسية المشاهد، ما هي إلا تجلٍّ من تجليات الإحساس باللذة ونشوئها. فالمأساة تخلخل كل ما هو ثابت ومُنطوٍ في رغبة المشاهد، وبخاصة حينما تضعه أمام أفعال «تطرأ فجأة وعلى غير انتظار منه»، وأمام هذه الأحداث الفجائية يحسّ المشاهد بدهشة تتحول الى محفزات ورغبات جديدة، «لأن الدهشة تولّد الرغبة»، فتدفعه الى استكشاف سر هذه الدهشة/ المتعة، وبالتالي الى تقليص فارق المسافة بينه وبين النص المعروض. وقد تزداد قوة الإحساس بالمتعة عند المتلقي كلما حاول المساهمة في إكمال ما يراه ناقصاً في النص - (بياضاته وفراغاته) - وإذا ما تم له ذلك، فإنه سيصبح بلا شك مشاركاً في إبداعه. يقول أرسطو متحدثاً عن الأشياء المستحسنة كيف تزداد لذتها حين نكمل ما بها من نقص: «كذلك نعتبر سارّاً كل عمل ناقص أكملناه لأنه بعد إتمامه يحسب في أعمالنا».