في التاسع والعشرين من الشهر الماضي نُفذت غارتان في الساعة الرابعة فجراً على مخيم خان الشيح في سورية. أدت إحداهما إلى مقتل قيادي عسكري فلسطيني بارز هو أبو النور عزالدين، فيما نجا الآخر وهو مسؤول حركة «حماس» في المخيم علاء النمر. لم تتوقف وسائل الإعلام عند هذه العملية وأبعادها وأسبابها، بسبب الغموض الذي اعتراها، وغياب الكثير من التفاصيل عن الشخصين المستهدفين. بحسب الصور والمعلومات التي زودنا بها شخص مقرب من أبو النور، ويقطن في مخيم خان الشيح، فإن العملية نفذت على نحو احترافي، وبشكل دقيق ومحدد جداً، إذ أن الصاروخ لم يؤد إلا إلى تدمير كوّة صغيرة من الغرفة التي كان يجلس بها أبو النور، وأصاب الصاروخ رأسه مباشرة. فالشخص المستهدف كان يسكن في الطبقة الثالثة، ولم يسفر الصاروخ سوى عن مقتله وابنه، ولم يتأذ أحد من السكان القاطنين في الطبقات الأخرى، ولا تضررت منازلهم، حتى أن منزل أبو النور نفسه لم يتضرر سوى على نحو محدد جداً. الأهالي يرجحون أن تكون طائرة إسرائيلية استهدفت أبو النور، ولا يستبعدون أيضاً فرضية الطيران الروسي. لكن إن صحت الفرضية الأولى فهذا يعني أن إسرائيل بدأت تتدخل مباشرة لضرب المخيمات الفلسطينية في سورية. فالرجل من القادة العسكريين ل»حماس»، وكان مرافقاً للدكتور موسى أبو مرزوق، وعلى تواصل مع الجناح العسكري للحركة في غزة، وكان يسعى إلى تكوين مجموعات في القنيطرة لاستهداف الجنود الإسرائيليين، وكانت مهمته الرئيسة مع مجموعات أخرى حماية مخيم خان الشيح. يعرف أن أبو النور كان من أكثر الناشطين العسكريين، وقد ساهم في تدريب الكثير من الشبان على حمل السلاح وأصبح قائداً للواء العز، وله علاقات وطيدة مع فصائل المعارضة السورية الستة الموجودة في خان الشيح. ويقول أحد قادة «حماس»، أن قرار الحركة هو الانسحاب من سورية وعدم المشاركة في القتال سواء مع النظام أو مع المعارضة، وإن أي فرد يقاتل هناك، لا علاقة للحركة به، وهو يتصرف على نحو فردي، ولا يمكن أن تنعاه «حماس»، حتى ولو كان سابقاً من أبرز كوادرها. ما يتخوف منه سكان مخيم خان الشيح أن تستمر عمليات استهدافه في مخطط يهدف إلى تصفية المخيم الأقرب إلى فلسطين من خلال تدميره وتهجير أهله واغتيال كوادره على غرار ما حصل مع مخيمات أخرى. كان يقطن المخيم قبل بدء الأحداث في سورية نحو 24 ألف نسمة. يعيش فيه الآن نحو عشرة آلاف. وبعد هذه العملية نزحت العشرات من العائلات. وفي حال استمر القصف على المخيم فإن العدد مرشح بالارتفاع، ولا يستبعد أن يكون مصيره مشابهاً لمخيمات كاليرموك وسبينة وحندرات وحسينية السد. يقع المخيم على بعد نحو ثلاثين كيلومتراً من شمال فلسطينالمحتلة. ويقع جنوب غربي العاصمة السورية دمشق. ظل المخيم بعيداً عما يجري في سورية، وتحول ملجأ للنازحين الفلسطينيين من المخيمات داخل العاصمة دمشق. أثناء مسيرتي العودة في ذكرى النكبة والنكسة على الشريط الفاصل في الجولان المحتل قتل جنود الاحتلال سبعة شبان من هذا المخيم. عام 2013 شنت المعارضة المسلحة هجوماً مباغتاً على مواقع النظام ما اضطر الجيش السوري إلى الانسحاب، وتحولت هذه المنطقة إلى خط تماس ساخن. لكن المخيم بقي نسبياً بعيداً عن الاشتباكات. لأن خان الشيح تنقسم إلى قسمين، جزء يطلق عليه المزارع وهو خاضع لفصائل المعارضة المسلحة، والجزء الآخر هو المخيم ويفصل بينهما طريق عام. وقد تركزت المواجهات مع النظام في الجهة التي توجد فيها المزارع. لكن وعلى رغم ذلك تعرض المخيم لعشرات الغارات بالبراميل المتفجرة، ما أسفر عن استشهاد العشرات من أبنائه، ونزوح مئات العائلات إلى لبنان. موقع المخيم ليس استراتيجياً ولا يعتبر طريق عبور لمسلحي المعارضة إلى بلدات القنيطرة أو درعا، وهو إلى حد ما بمنأى عن الصراع الدائر بين النظام والمعارضة. فهل سيكون مصيره مشابهاً لما آل إليه الوضع في اليرموك أو مخيم سبينة.