"ذهب الحسا".. حينما تتحول التمور منصةً استثماريةً واعدةً    الفيحاء يحقق الانتصار الأول له في دوري روشن على حساب الرياض بثنائية    مدرب الاهلي يايسله: نعرف الوصل جيداً متفائلون بتحقيق الفوز    عبدالحميد والتجربة الإيطالية    جلسة حوارية في «معرض الكتاب» عن الاستثمار في قطاع النشر    «معامل البحر الأحمر» تفتح باب التسجيل للموسيقى والصوت    القاص محمد البشير يكشف سر التعلق بالقصة في «كتاب الرياض»    تغريم ثلاث شركات طيران خالفت المراقبة الصحية    محافظ الأحساء يشدد على سرعة إنجاز الخدمات للمستفيدين    أمير الشرقية يتسلم تقرير اليوم الوطني    10 ملايين عقد سجلتها إيجار    بالإجماع.. إعادة تعيين العفالق رئيساً لرابطة «روشن» واللذيذ نائباً    استشهاد رجلين من الدفاع المدني في حريق سوق جدة الدولي    الراجحي يعتمد البرامج الاجتماعية والمهنية لذوي الإعاقة    سعود بن جلوي يرعى حفل تعليم جدة    كازاخستان تصارع من أجل توافق إنتاجها مع قيود حصص أوبك +    من هم قادة «حزب الله» الذين قتلوا مع نصر الله ؟    مركز الملك سلمان يدعم المرأة اليمنية    مختصون يبحثون دور التكنولوجيا الرقمية في التصدي للإرهاب الفكري    «سعود الطبية» تطلق حملتها للتحصين ضد الأنفلونزا الموسمية    وهدان القاضي رئيسًا تنفيذيًّا لصندوق الفعاليات الاستثماري    المملكة تعلن تقديم دعم مالي شهري للأشقاء في فلسطين    روسيا تواجه أكبر هجمات للطائرات المسيرة    سمو نائب وزير الحرس الوطني يستقبل الكاتب والمستشار الاعلامي محمد ناصر الأسمري    تعاون بين "حقوق الإنسان" ومؤسسة الأمير طلال الخيرية لتعزيز حماية الطفل وحق الأمومةl    أرفى تنظم أول معرض تفاعلي رقمي في الشرق الأوسط للتصلب المتعدد    «دوريات المجاهدين» بجدة تقبض على شخص لترويجه مواد مخدرة    «تراضي»: إصدار 370 ألف وثيقة صلح وعقد أكثر من مليوني جلسة    «روائع الأوركسترا السعودية» تتألق في لندن بمشاركة 100 مبدع سعودي    بلدية محافظة عنيزة تضبط مستودعاً يقوم بتخزين اللحوم بطرق مخالفة    سحب رعدية ممطرة على جازان وعسير والباحة ومكة    مبابي يغيب عن ديربي مدريد.. ويونايتد يواجه توتنهام    البرلمان العربي يدين الموقف الدولي المتخاذل.. مطالبة بوقف فوري للعدوان الإسرائيلي على غزة    وكيل محافظة تعز ل«عكاظ»: مشاريعنا الإستراتيجية والحيوية بدعم كامل من السعودية    ميزة جديدة.. «واتساب» يحجب رسائل المجهولين !    «أخمرين» تطلب رصف وإنارة الطريق    في خمس مناطق للقراءة والتأمل.. «الرياض تقرأ».. رحلة بين السطور    500 عمل فني تزيّن بينالي الفنون الإسلامية في جدة    وزير الثقافة للمبتعثين: القيادة تدعم تنمية القدرات البشرية في المجالات كافة    بيشة: رئة «نمران» بلا أوكسجين !    أوروبا تصوّت على قرار جمارك سيارات الصين الكهربائية    الليلة السعودية تستعرض الفرص التعدينية    5 أسباب للكوابيس والقلق أثناء النوم    5 نصائح.. تسرِّع التعافي بعد جرعات العلاج الكيميائي    الزواج التقليدي أو عن حب.. أيهما يدوم ؟    من دمَّر الأهلي ؟    بغلف وباربيع يحتفلان بعقد قران أصيل    رقم قياسي للهلال بعد الفوز على الخلود    دور أمانات المناطق في تحسين تجربة المواطن والمقيم    قبضة الخليج تلاقي ماغديبورغ الألماني    الرّفق أرفع أخلاق نبينا الأمين    يوم مجيد توحدت فيه القلوب    الزهد هو المجد في الدنيا والمجد في الآخرة    وطني.. مجد ونماء    مروّجو الأوهام عبر منصات التواصل الاجتماعي    رابطة العالم الإسلامي ترحب بإعلان المملكة إطلاق «التحالف الدولي لتنفيذ حل الدولتين»    بحضور 3000 شخص.. أحد رفيدة تحتفل باليوم الوطني    محافظ هروب يرعى حفلَ الأهالي بمناسبة اليوم الوطني ال 94    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حليم يوسف يستعيد مأساة عامودا الكردية
نشر في الحياة يوم 07 - 07 - 2016

تتكون كلمة سوبارتو من مقطع «سو» (su) وهو اسم المنطقة الواقعة جنوب بحيرة «وان»، ومقطع «با» وهو ما يعني بالسومرية: خارج/ برّه. وبذا تعني كلمة (سوبار) السوئيين الذين يعيشون خارج الحدود وهم أقدم من سكن المنطقة الآشورية التي حملت اسم سوبارتو بالمسمارية.
من كتاب «تاريخ الكرد القديم» يأتي حليم يوسف بهذا التوضيح، وبه يفتتح روايته «سوبارتو – الحرائق». ومنذ بداية الباب الأول للرواية: «سوبارتو بلاد المراهقين والألقاب وأتربة الفضيحة» ينجلي اسم سوبارتو عن مدينة عامودا المحاذية للحدود التركية، والتي اشتهرت بكثرة مثقفيها ومبدعيها، وبخاصة الشعراء. أما الكتّاب الذين يكتبون بالعربية فمنهم حليم يوسف نفسه، ومنهم الشاعر والروائي سليم بركات القادم من القرية المجاورة موسيسانا، والروائي والقاص الساخر أحمد عمر، والروائي والناقد هيثم حسين وسواهم ممن أنجبت المدينة الصغيرة أم التلال الأثرية التي ألجأت السريان والآشوريين الهاربين من المذابح التركية قبل قرابة القرن.
بكتابة تتقد عشقاً ولوعة ونقمة ومرارة، يقدم حليم يوسف سيرة سوبارتو/ عامودا بالاشتباك مع سيرته في الطفولة والفتوة والشباب. وقد زجّ هذا الاشتباك باسم الكاتب في لحظة روائية حاسمة، حيث نقرأ: «وأنت يا حليم يوسف: ما علاقتك بكل ذلك؟ ما جدوى الكتابة عندما يحترق الناس وتحترق الأمكنة؟ أليس الأجدر بك أن ترمي قلمك أيضاً إلى النار ليحترق؟». كما نقرأ: «الصمت أكثر أماناً من كل هذا الغبار الذي تثيره صفحات هذه الرواية المكتوبة بدمٍ يحترق».
أما اللحظة الروائية المعنية، فهي حريق السجن في مدينة الحسكة التي تتبعها عامودا إدارياً. وكان الحريق الشهير قد أودى بحياة ستين سجيناً، فأجج ذكرى الحريق الذي لا ينطفئ منذ 13/11/1960. إنه حريق سينما شهرزاد في عامودا، والذي قضى فيه 283 طفلاً أثناء مشاهدتهم فيلم «جريمة منتصف الليل». وقد تحول موقع السينما إلى حديقة يتوسطها التمثال الذي نحته الفنان محمود جلال لثلاثة أطفال تتلاحم ظهورهم وهم يتقون النار ويرفعون علم الجزائر، فريع ذلك الفيلم كان نصرة للثورة الجزائرية.
توحّد الرواية حريقي السجن والسينما بانتحار الطالبة زكية ألكان التي أشعلت النار في جسدها أمام الطلبة، احتجاجاً على ما آلَ إليه الحال، إذ لم يعد الشباب يحلمون إلا بالرحيل إلى أوروبا. وبحريقها أغرقت زكية ألكان الرؤوس بالعار، وطواها النسيان.
في حكمة العجوز فلك أن الحرائق ضرورية كي لا تنام سوبارتو على أذنيها، والنار تطهر النفوس. وإذا كان حريق السجن سيدفع بالشاب الموسيقي إبراهيم إلى كسر البزق والالتحاق بالثوار في الجبال، فبطل الرواية الذي يتولى سردها غالباً سليمان بن داوي يجأر منذ البداية: احترقي يا سوبارتو «أنت جريمتي وعليّ إحراق الجميع»، وبالجئير نفسه يختم الرواية. وسليمان الذي يشيع خبر جنونه سيحكي حكايات مجانين سوبارتو: هذا خلفو الذي سألوه: لماذا لا تذهب إلى العصفورية، فأجاب: ضعوا سوراً حول سوبارتو فتصبح العصفورية. وهذان مجنونان يقتسمان سوبارتو كما يقسمها نهر الخنزير الذي يقسم عامودا بين غربها لحيندرو وشرقها لإسماعيلو.
لكن نصيب المجانين من الرواية أدنى بكثير من نصيب الشخصيات التي نال العطب منها لأسباب شتى، ففي الباب الثاني «بلاد لا يستطيع العيش فيها سوى الحيوانات والخونة» تبدأ قصة السفاح بين رشّو وخالته التي تختفي فيتتبعها إلى أن يظهرا زوجين في ألمانيا. وللقواد أبو عمشة فلسفته التي تسوّغ لنفسه أن تحكم بأن الجميع هنا قوّادون، وهو من يعهّر أخته في فنادق المدينة، كما يؤجر نفسه لحميدة العانس، ويقود إليها سليمان ورهطه. ومثله هو صافو ابن الأرملة. أما شيرو فيقتل أخته التي هربت مع جارها مخلفةً أولادها الستة كما يقتل أباه الذي وقع في السفاح أيضاً. وقد أبدع الكاتب في نبشه دخائل هذه الشخصيات وفي سبره أغوار نفسياتها على سبيل تعرية المجتمع، وهذا ما سيكون له، هو وقصة سليمان ومعشوقته بلقيس، النصيب الأكبر في الرواية، وحيث ستكون السخرية الكاوية والمتفردة هي الوسيلة الفضلى.
وهكذا يوقّع للرواية حلم سليمان بامرأة بيضاء يتدفق البترول منها. وهكذا تظهر أسرة بلقيس: والدها المدرس مروان، والمسؤول في الحزب الشيوعي الذي تسميه الرواية حزب الآنية، أي المعلمة زوجة الأستاذ الذي لا يتقن اللغة السوبارتية الأم (الكردية)، ولا يرى الحزب إلا طائراً حراً معلقاً في الهواء، لا هو معارضة ولا هو حكومي ولا يسعى إلى السلطة. بسوط السخرية تسلق الرواية الحزب، فالجمهوريات السوفياتية أضحت منتجعات لعائلات المسؤولين الحزبيين الذين يحظى أولادهم بالمنح الدراسية الحزبية مثل ابن الأستاذ الذي لقبه أقرانه بسكويته. وفي سخرية دينو من الانشقاقات الحزبية يجعل للأحزاب طباع القطط. التي تحاول إخفاء فضلاتها في التراب، وتتوالد كالأرانب، حتى صارت العشائر أكبر منها، وسوف يتساءل الراوي عما إن كانت الأحزاب تكمل ما تقوم به العشائر التي تقتحم أعشاش الحب. وقد جعل دينو للرواية إيقاعاً آخر يردد: غبار، وألف عام من الغبار، وأحزاب الغبار... وهو يشبّه المبدأ بحمار الشاعر الكردي الذي عرفته عامودا طويلاً جكر خوين، فالحزبيون يربطون الحمار– المبدأ أمام أبوابهم. وقد نظّم الحزب لسليمان محاكمة بعدما شاع خبر عشقه بلقيس ابنة الأستاذ مروان، فعدّ العشق مؤامرة لضرب سمعة الحزب، ومروقاً على الأخلاق البروليتارية، لذلك عوقب العاشق بالنبذ والتشهير. وفي الباب الثالث من الرواية «بلاد سقطت من عربة التاريخ فعضتها الجغرافية من أذنيها» يمضي سليمان إلى جامعة حلب، وإذا بالمنتمين إلى حزب واحد يسكنون معاً، حتى قامت في الجامعة سوبارتو صغيرة مطعّمة بمن استقطبهم حزب الآنسة.
من الطفولة الشقية لا يفتأ سليمان يمتح الذكريات التي ترسم فضاء سوبارتو وبشرها. ومن ذلك ما يتعلق باللغة، فمدير المدرسة يمنع التحدث بغير اللغة العربية الرسمية التي يتقنها الأولاد الناعمون، وهي لغة المدرسين والموظفين والخطيب في صلاة الجمعة والتلفزيون. ولم تكن حياة سليمان الجامعية وما بعدها بأفضل، إذ يعصف به عشق بلقيس التي تتزوج من ثري يطير بها إلى السعودية، فيقطع سليمان دراسته يأساً، ويمضي إلى الخدمة العسكرية الإلزامية، حيث ينفتح السرد من جديد في دمشق فتأتي قصة مستو الأعرج، وقصة سليمان مع سيلفا. وإذ تعود بلقيس مطلقة ويعود سليمان إلى سوبارتو، تجدد هي علاقتهما، فتثقل على الرواية بتبرير استدارتها عنه في أربع عشرة صفحة، ثم يتفجر العجائبي في الرواية، بعدما تلامح برشاقة مراراً عبر المماهاة بين سليمان وطائر الهدهد، وعبر الطفل النوراني، وعبر شخصية العجوز فلك التي تحكم قبضتها على سوبارتو وطوى كوخها البلاد مفضياً إلى ملكة غرفة المتعة بلقيس في قصر خرافي. أما سليمان الذي يحرك الجن والريح والطير والنمل، فسيطلق المازوت على جدران سوبارتو ليحرقها، تاركاً للقراء الباب السابع من الرواية مع أبواب أخرى يمكنهم أن يخلعوها ويدخلوا إلى هذا العالم المواري الذي ترامى منذ قصفت فرنسا عامودا عام 1936 إلى الحزب ذي الامتدادات الإقليمية والعلاقة مع النظام، والذي لا تسميه الرواية، فكأنما تشير إلى ما عاشته عامودا منذ 2011، فمن يذكر بلبل الثورة عزيز قرنو أو القاشوشة الكردية أغنية «سكابا» بالكردية؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.