المشهد السياسي الكردي السوري يخيم بظلاله على الذكرى الثانية والخمسين لولادة الحزب الكردي السوري الأول. والمتابع الحصيف لهذا المشهد يلحظ أن الطرح السياسي الوطني الجاد قد تراجع لمصلحة الأطروحات القومية المجردة، ما يعني أن النشاط السياسي الكردي السوري فقد طابعه الواقعي عبر الزمن في شكل كبير لمصلحة الشعارات الصاخبة. وعلى رغم أن الفكر السياسي والحزبي الكردي السوري دخل في العقد الخامس، إلا أن التفاعلات السياسية ظلت في أدنى مستويات الطموح، ونظراً الى العدد الكبير من الأحزاب الكردية السورية التي تزيد على مثيلاتها في العراق وإيران وتركيا مجتمعة، فإنها بدل أن تقوم بمهمتها التأطيرية، وإعداد المواطنين الأكراد السوريين وغيرهم لمواجهة مسؤولياتهم السياسية والوطنية من أجل الاستقرار المجتمعي عبر المشاركة والتعايش والاندماج في النسيج الوطني السوري، قد بالغت في أطروحاتها القومية وخطابها السياسي الراديكالي المزدوج وانكفأت على ذاتها. ويتساءل المواطن الكردي السوري العادي وجاره العربي والسرياني والآشوري والأرمني والججاني عن أي كردستان يتحدث الخطاب السياسي الحزبي الكردي السوري وعن أي أرض وشعب ينظّر، فالمدن ذات الكثافة والوجود الكردي مثل الحسكة والقامشلي وديركا حمكو (المالكية) وعامودة والدرباسية ورأس العين وكوباني (عين العرب) وحتى عفرين معظمها مختلطة، فيها العرب والكرد والسريان والأرمن والأشور والجاجان... وغيرهم، وكذا الريف، فكل قرية كردية سورية تجاورها قرية عربية أو قرية سريانية أو قرية أشورية، ويدرك الجميع أن التموضع الجغرافي الكردي السوري يختلف اختلافاً بيناً عما هو في تركيا والعراق وإيران. على أن أكثر ما يقلق في المشهد هو محاولة البعض تقويض مبدأ المواطنة ودولة المواطنة التي تشكل الحصن الحصين لحماية مصالح القوميات والأقليات في منطقة تعج بالصراعات وجر المواطنين الأكراد إلى الصراعات الحزبية وصولاً إلى نوع من حرب الكل ضد الكل. وإذا كانت هذه الصراعات والخلافات تخدم المسألة الحزبية والشخصية، فإنها بالتأكيد لا تخدم القضية الكردية والمسألة الوطنية ولا تخدم العيش المشترك بين أبناء المنطقة الواحدة والأمن الأهلي. وأخطر ما في هذا المشهد هو طابعه الدائري المغلق الذي يتعذر في ظله تحقيق تراكم في الساحة السياسية الكردية ووضع الحد للعشوائية الغالبة عليها. والحقيقة ان لا أفق مستقبلياً للعملية السياسية الكردية السورية ما لم تتم إعادة بناء فكرة المواطنة والمواطن، لذلك من الطبيعي أن تظهر متغيّرات كبيرة على صعيد الساحة السياسية الكردية السورية وهي الفرد «المواطن» و «المبدأ المواطنة» عبر صياغة برنامج وطني كردي سوري يعتمد على معايير حقوق المواطنة التي من شأنها إعادة الفكر السياسي الكردي السوري إلى مساره بعد أن انحرف عن السكة. وعلى ضوء هذه الحقائق سيكون مستقبل المواطن الكردي السوري أكثر وضوحاً وإشراقاً من خلال الشعور بالمسؤولية التاريخية المجتمعية والمهام الوطنية التي تجعل الحكومة تطمئن الى مواطنيها الأكراد وتجعل المواطن الكردي السوري يطمئن الى حكومته. مرشد اليوسف – بريد الكتروني